قصة مثيرة تُروى، تم القبض على الأستاذ سامى شرف، سكرتير الرئيس عبدالناصر للمعلومات، صباح الخميس 13 مايو 1971 فيما سُمى قضية «مراكز القوى» الشهيرة. ويُروى لاحقاً أن المرحومين أشرف مروان (الموظف فى مكتب عبدالناصر، والمقرب من السادات)، والأستاذ محمد حسنين هيكل، دخلا إلى «مكتب شرف» فى اليوم التالى مباشرة، وصورا كل الوثائق والمستندات فى مكتبه بالميكروفيلم.
ورواية أخرى تقول إن صورة من هذه الوثائق وصلت إلى «لندن» وحُفظت هناك بمعرفة المرحوم أشرف مروان، وأن الأخير عرض على سامى شرف فى العام 1995 أن يسافر إلى لندن لتصنيفها وتبويبها، وأن الأخير وافق على أمل كشف ما خفى عنه فى أمر ما جرى فى مكتبه بعد سجنه، إلا أن مروان تراجع بعد أيام عن العرض بدون ذكر الأسباب.
لماذا هذا الحكى أعلاه، ولماذا خصوصية الأستاذ سامى شرف فى سياق كشف الدكتورة هدى عبدالناصر عن وثيقة لوزارة الخارجية بتاريخ 20 مايو 1967، قبل إغلاق خليج العقبة بيومين، صادرة عن إدارة شؤون فلسطين فى وزارة الخارجية عنوانها الملاحة الإسرائيلية فى خليج العقبة منذ إنشاء دولة إسرائيل فى 1948.
لأن مبتدأ الوثيقة لمن يقرأ مذكور فيها «السيد سامى شرف، سكرتير السيد الرئيس للمعلومات»، بما يقطع بمرور هذه الوثيقة على سيادته، ويعلم بها، ويقطع إذا شاء بصحتها، لأنه شاهد حى على عصر عبدالناصر، خزانة أسراره وذاكرة عصره، والمكاتبات باسمه، أطال الله فى عمره.
الثانية، وهى الأخطر، وثيقة من إدارة شؤون فلسطين فى وزارة الخارجية إلى رئاسة الجمهورية معنونة بـ«سرى جداً»، تعثر عليها الدكتورة هدى بالصدفة المحضة بين أوراق والدها العظيم، وثيقة على هذا القدر من الخطورة والأهمية والحساسية والسرية جداً، كيف خرجت هذه الوثيقة من مكتب شرف إلى يدى الدكتورة هدى؟
احترامى للدكتورة هدى لا يمنع سؤالاً خطيراً، وأرجو إجابة شافية تقطع الشك باليقين، كيف وصلت هذه الوثيقة السرية جداً إلى يديها، هل تحصلت عليها من أرشيف رئاسة الجمهورية فى عهد والدها، وكانت فى الشهور الأخيرة على رحيله تعمل إلى جواره فى الغرفة المجاورة لمكتبه؟ وهل هى الوثيقة الخطيرة الوحيدة فى حوزتها؟ انظر قولها: «عثرت عليها بمحض الصدفة»، يعنى هناك وثائق وأوراق غيرها كانت ضمنها هذه الوثيقة بين يدى هذه الابنة البارة بوالدها وبوطنها!!
وثيقة مثل هذه التى نُشرت يجب ألا تمر مرور الكرام هكذا فوق رؤوسنا فرحاً بتدعيم موقف الرئاسة فى هذه القضية، وهذا ليس تشكيكاً فى أمانة الدكتورة هدى، تؤتمن على الغالى والنفيس، مؤتمنة على تراث والدها، بنت أبيها.
ولكن بلى ليطمئن قلبى، هل يجوز حيازة أفراد مثل هذه الوثائق حتى لو كانوا أبناء رؤساء أو باحثين مهتمين؟.. وهل مثل هذه الوثيقة وثائق خرجت من الرئاسة إلى يدى آخرين؟ أليس هذا حرياً بالتوقف والتبين، أخشى أن مثل هذه الوثائق كثير فى مصر، ومثلها فى لندن كثير وعليه شهود أحياء لا ينطبق عليهم أبداً وصف «شاهد مشفش حاجة».
يقيناً الوثيقة المنشورة ليست أصلاً، وهنا ندعو سكرتير الرئيس للمعلومات (إن كان المكتب قائماً) لتقفى أثر هذه الوثيقة فى أرشيف رئاسة الجمهورية، بحثاً عن الأصل، وإذا كانت صورة، هل مثل هذه الوثائق الخطيرة تُصور هكذا، ويُحتفظ بها خارج رئاسة الجمهورية؟ وهل مثل هذه الوثائق الخطيرة التى تحمل خاتم «سرى جداً» تُصور وتُنشر هكذا على الملأ، وتُستخدم فى مثل هذه القضايا الحساسة بعيدا عن الدولة المصرية؟
أصل ولّا صورة لا يهم، هل هناك حاذق فاهم مدرك لخطورة تسرب هذه الوثيقة خارج الرئاسة والخارجية؟ هل هناك من يخشى مثلنا على وثائق الجمهورية المصرية، ويتخذ من الإعلان عن وجود هذه الوثيقة لمراجعة أرشيف الرئاسة المصرية؟.. تحديداً فى الفترة الناصرية ليقف على وجود هذه الوثيقة وغيرها من الوثائق ضمن الأرشيف الرئاسى!