x

طارق الشناوي الوطن صار وطنطن .. أفلام سيناء التى نخجل من عرضها! طارق الشناوي الأحد 24-04-2016 21:18


الغريب أننا صرنا نخجل من عرض أفلامنا التى تتناول انتصار أكتوبر، المفروض أنها ترصد الحرب المقدسة، عندما استعدنا بأيدى ودماء وأرواح رجالنا أراضينا المحتلة، الغريب أنه لم تجرؤ أى دار عرض بل ولا أى فضائية على عرض فيلم «حائط البطولات» للمخضرم محمد راضى الذى أنتجته وزارة الإعلام قبل نحو 20 عاما، ومؤخرا اعترانا قدر أكبر من الخجل بعد العرض المحدود لهذا الشريط، فلم تتحمس أى دار عرض سينمائية للسماح بتداول فيلم «أسد سيناء» للمخرج الشاب حسن السيد، ولكن قبل أن نوغل دعونا نتوقف أمام هذا السؤال المحير ونحاول أن نبحث عن إجابة.

لماذا فشلنا دراميا بينما نجحنا فى التعبير عن أعيادنا الوطنية غنائيا؟ الحقيقة هى أن الأغنية فقط واكبت كل انتصار عشناه، كان الشعراء والملحنون والمطربون على الموجة تماما وهم يعزفون على أوتار مشاعر الناس، ولم يكن هذا التوافق فى الأفراح التى عاشتها الأمة فقط بل فى الأحزان أيضا، كانت الأغنية تطبطب وتهدهد مشاعرنا مثل أغانى هزيمة 67، التى مسحت دموعنا ومنحتنا أملا فى أن إشراقة الصباح قادمة لا محالة بل شاهدنا ضوءها وهو ينفذ من فتحة شِباك الأحزان، ولكن الدراما كانت ولا تزال غائبة عن المشهد.

الغريب أن أشهر أغانينا التى رددناها بمناسبة عودة سيناء قبل 34 عاما بصوت شادية وتأليف عبدالوهاب محمد وتلحين جمال سلامة «مصر اليوم فى عيد» تكشف أيضا كيف أنه من الممكن أن تزيف المشاعر، ورغم ذلك استقبلناها ولا نزال بكل اعتزاز، كانت هذه الأغنية الدافع الحقيقى وراء تقديم فيلم «سمع هس» عام 1991 للمخرج شريف عرفة وتأليف ماهر عواد وبطولة ليلى علوى وممدوح عبد العليم، الفيلم يتناول حكاية حمص وحلاوة الذى كتب ولحن أغنية شعبية «أنا حُمص حُمص يا حلاوة» ليقدمها فى الشوارع والأفراح ومن غنائها يتكسب قوت يومه، فصارت بعد أن سطا عليها ملحن ومطرب شهير «أنا وطنى وبانشد وبطنطن وأتباهى بيك يا وطنطن»، وحقيقة الحكاية أن جمال سلامة ـ وبالمناسبة لم تكن المرة الوحيدة ـ كان جمال قد وقع اختياره على مونولوج قديم من غناء وتلحين المونولجيست الصعيدى عمر الجيزاوى، وتأليف مصطفى الطائر، ملحوظة انطلق الجيزاوى فنيا فى زمن العملاقين إسماعيل يسن ومحمود شكوكو، فكان نصيبه فى الجماهيرية بالقياس محدودا منذ بدايته فى نهاية الثلاثينيات حتى رحيله فى مثل هذه الأيام عام 1983، ولكن هذا لم يمنعه من تحقيق نجاحات فى أكثر من مونولوج شعبى مثل «العرقسوس» و«اتفضل شاى»، اللذين لا يزال أرشيف التليفزيون الأبيض والأسود يحتفظ بهما، وفى تلك الأثناء قدم العشرات من المونولوجات ومنها واحد مطلعه يقول «ياللى م البحيرة وياللى من آخر الصعيد»، أخذ جمال سلامة التيمة الموسيقية وطلب من الشاعر عبدالوهاب محمد أن يكتب على الموسيقى كلمات وطنية ليشارك بها فى الحفل الذى تقيمه الرئاسة 25 إبريل 1982، مواكبا لعودة سيناء، ويبدو أن جمال لم يكن يعرف أن الجيزاوى حى يرزق، ولأن المونولوج لم يكن يتداول عبر الإعلام، حيث إن الجيزاوى اختفى تماما عن الأنظار منذ نهاية الستينيات، فلم يعد أحد يطلبه للغناء أو لتمثيل أدوار قصيرة كما كان متعودا فى عدد من الأفلام الهزيلة، على هذا فلقد كان جمال لديه يقين أن لا أحد سيكشف تلك اللعبة،إلا أنه فوجئ بإقامة دعوى قضائية من الجيزاوى والذى لم يشهد النطق بالحكم لصالحه، لأنه رحل بعدها بعام بينما الشاعر مصطفى الطائر كان قد سبقه للعالم الآخر بثلاثة أعوام، ولو عدت لأرشيف الإذاعة المصرية ستكتشف أنها صارت ملزمة قانونا بذكر اسميهما باعتبارهما مشاركين فى التلحين والتأليف مع سلامة وعبدالوهاب.

ولا تزال هذه الأغنية هى عنوان عودة سيناء، ونسينا تماما حكاية السطو تلك، الحس الشعبى فى الأغنية حال دون أن نتوقف أمام كونها نتاج تلاقح فنى غير شرعى، وهو نفس ما حدث بعدها بعامين أيضا لأغنية «دويتو» قدمه أيضا جمال سلامة وجمع بين هانى شاكر ومحمد ثروت «إن كان ع القلب مفيش غيرك»، والتى بالصدفة كان قد كتبها فى البداية أيضا الشاعر الراحل سمير الطائر، وهو ابن مصطفى الطائر، هذه الأغنية قد ألفها الطائر الصغير بكلمات أخرى لفرح أحد أثرياء الخليج ومن تلحين جمال سلامة، وبعد أن انتهى دورها، وحصل جمال على المطلوب من الثرى العربى، أسمع الموسيقى لعبدالرحمن الأبنودى فكتب على اللحن «إن كان ع القلب» ويومها فضح الكاتب الكبير الراحل موسى صبرى عملية السطو، على صفحات مجلة «آخر ساعة»، ورغم ذلك فلقد حققت الأغنية نجاحا استثنائيا قبل نحو ثلاثة عقود من الزمان.

حالتنا الغنائية برغم كل شىء أفضل كثيرا من السينمائية، وتبقى المأساة الحقيقية فى أننا لم نستطع دراميا مواكبة جلال هذا الانتصار، حتى إننا لم نقدم فيلما يليق بأكتوبر والعبور ولا بعودة سيناء، بل تستطيع أن ترى هذا الخجل الذى صار يعترينا بسبب عدد من الأفلام لا نجرؤ على عرضها لسوء مستواها الفنى، والغريب أن الدولة ممثلة فى وزارة الثقافة قبل نحو عامين شاركت فى تجهيز فيلم «حائط البطولات» الردىء الذى تنكر له حتى عدد من المشاركين فيه، ولا أدرى كيف تٌقدم الدولة تلك المساهمة ويعرض الفيلم فى مهرجان القاهرة السينمائى الدولى بعد أن ظل سنوات لا أحد يتحمس له سوى مخرجه بالطبع، كان بالفعل الفيلم ضحية غضب مبارك ولهذا قبل إجباره على التنحى، كان حريصا على ألا تتم الإشارة إليه، بل إنه كما قال لى المنتج المنفذ للفيلم عادل حسنى، والذى كان فى مرحلة ما مسؤولا عن تجهيز رحلات الرئاسة، قال عادل إن مبارك عاتبه على الملأ قائلا «أنت ما تعرفش إن أنا عملت الضربة الجوية، ما حدش قال لك»، وعلم بعد ذلك من زكريا عزمى أن الرئيس المخلوع غاضب بسبب الفيلم.

وللحقيقة أنه كانت هناك تعليمات للصحف تحول دون مجرد الإشارة لاسم الفيلم، والغريب فى الأمر أن المنتج المنفذ اعتقد أنه لو أدى هو دور حسنى مبارك فى الأحداث، وأشار إلى ما فعله سلاح الطيران بقيادة مبارك فى أكتوبر وعبور القناة وعودة سيناء سوف يدفع ذلك الرئاسة للتصريح بالفيلم، وتم تسريب أخبار للصحف تؤكد أنه قد غير اسم «حائط البطولات» وصار «نسور الجو»، ونشرت إحدى الصحف وقتها صورة للمنتج عادل حسنى ومع بعض المكياج بزى اللواء حسنى مبارك، ورغم ذلك ظل مبارك على غضبه وهكذا لم يسمح بعرضه إلا بعد أن أجبر على التنحى، وهكذا شاهدناه قبل نحو عامين فى مهرجان القاهرة لنكتشف أن الفيلم، كان مصيره هو السقوط المدوى لا محالة، ولم يكن بحاجة إلى كل هذا العداء السافر من مبارك، وحتى بعد أن تدخلت وزارة الثقافة وأنفقت الآلاف لتجهيز النسخة وعرضت رسميا ولكن بعيدا عن التسابق كأحد اكتشافات المهرجان فى نوفمبر 2014، وكان الاتفاق المبدئى هو أن يعرض الفيلم فى ذكرى تحرير سيناء إبريل 2015 ولكن لم تتحمس أى دار عرض ولا حتى التليفزيون المصرى الذى يملك الشريط على عرضه، برغم أنه يتناول الدور البطولى لرجال الدفاع الجوى بقيادة المشير الراحل محمد على فهمى الذى لقبوه بحارس السماء وأدى دوره محمود يسن، الفيلم فى الحقيقة، يعبر عن وجه آخر وهو الفساد المستشرى فى إنتاج الدولة، وهكذا رصدت وزارة الإعلام عام 1996 حوالى 7 ملايين جنيه ولم تجن سوى العار بعد أن صار الفيلم مهزلة متكاملة الأركان، والكل يتنصل منها.

الدولة كثيرا ما نكتشف أن لديها حسابات أخرى، ولكن ما الذى نقوله عن القطاع الخاص، ما الذى يدفع منتجا يملك فى يده رأس مال إلى أن يبحث عن حسابات أخرى، قبل نحو شهرين شاهدت فى عرض خاص فيلماً مليئاً بالادعاء الوطنى «أسد سيناء»، وهو من أردأ ما صادفنى على الشاشة فى حياتى، البطل هو أيضا المنتج عادل عبدالعال، وهو بالتأكيد تدخل فى الإخراج والتأليف لنصل إلى تلك الكارثة، فقرر أن يصنع حاجة من الصعب أن أطلق عليه فيلما حتى لو استعان بمدير تصوير كبير وهو د. رمسيس مرزوق، هل كان يراهن على أنه سيكسب رضاء الدولة بهذا الفيلم، أم أنه فى لحظة ما اعتقد أنه من الممكن أن يصبح نجما ويمتطى «أسد سيناء»، وكم من الجرائم ترتكب فى حق الوطن عندما يحيله البعض منا إلى «وطنطن»!!

[email protected]

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية