«شعبى الكريم.. إن مصر العظيمة على أعتاب خطوة مهمة وفاصلة في مشوارها لدعم الأمن القومى وبناء دولتها القوية.. ونحن نستعد للدخول في مرحلة جديدة مع أكبر شريك عربى لنا في الشرق الأوسط، وهذه المرحلة تتطلب منا التجاوب حكومة وشعبا معه لمواجهة تحديات الإرهاب ومخططات الغرب لاختراق المنطقة وتجريدنا من حقوقنا وامتيازاتنا.. وكل ما أستطيع أن أقوله لكم يا أبناء الوطن الغالى إننى باسم السلطة الشرعية ومن واقع مسؤوليتى لن أتوانى عن الحفاظ على مقدرات الدولة وحماية أراضيها، وما أرجوه مزيدا من الثقة في تقديرى للأمور سعيا وراء هدف أكبر وأهم لما فيه الخير للأمة ومصر كلها.. والله ولى التوفيق» ..
خطاب موجز ومكثف وسريع لايكلف كاتبه سوى بضع دقائق ولكنه يحترم الطرف الآخر ويقدر حقه في معرفة مايخصه ووضعه في الصورة قبل اتخاذ أي قرار قد يفتح باب التساؤلات والجدل ويثير الشبهات حول الدوافع وراء القرار.. ولك أن تتخيل- عزيزى القارئ- طبيعة الحال والمشهد إذا سبقت العبارات البسيطة السابقة «زوبعة» الجزيرتين «تيران وصنافير».. مجرد كلمات كان من شانها امتصاص حالة الغضب الشعبى من فكرة التلاعب بممتلكات الدولة ومواردها لحسابات سياسية حتى وإن كانت تستند إلى أدلة ووثائق تاريخية وتصب في المصلحة العامة في نهاية المطاف.. ففى تصورى أن المجتمع المصرى- في كثير من فئاته خصوصا من الشباب والأعمار المتوسطة- صار متمردا الآن على تابوه «تأليه الحاكم» وعدم مساءلته أو مراجعته عند اتخاذ أي قرار، فالمصريون مزقوا عهد «احتكار القرار السياسى» ورفضوا من الآن فصاعدا أسلوب «الوصاية» من أي سلطة حتى ولو كانت تحظى بشعبية جارفة مثلما بدأ الرئيس عبدالفتاح السيسى مشواره مع الرئاسة.. أو حتى قبلها بكثير كما يعرف الجميع!.
نحن لسنا بصدد النقاش حول أحقية السعودية في الجزيرتين أو لا، فتلك مسألة يحسمها الخبراء والمتخصصون في ترسيم الحدود وأساتذة التاريخ، مرورا بلجان يشكلها البرلمان بصفته التشريعية والدستورية، ووصولا إلى التحكيم الدولى.. ولايجب أن تتسع رقعة اللغط لتمس علاقات دبلوماسية وتاريخية لابد من استثمارها لصالحنا في كل الأحوال.. إنما لب القضية هي التعامل مع الشعب باعتباره «قاصرا» ولايفقه شيئا في إدارة شؤونه وثرواته، وإذا فرضنا جدلا أن هذا الشعب كان بالفعل في فترة من الفترات يعانى من هذا المرض اللعين، فقد تم شفاؤه في 25 يناير 2011 ودخل مرحلة النقاهة لمدة 5 سنوات، وبدأ يتعافى، وما غضبه في المشهد الأخير إلا دلالة على رغبته في المزيد من العافية واسترداد صحته بالكامل ليكون مشاركا في صنع قرارات الدولة.. لا متفرجا.. أو ولدا مطيعا.. الشعب أراد أن يفهم في البداية.. ثم يفكر.. ثم يقول نعم أو لا.. لأنه يريد أن يتنفس الديمقراطية وهواء الحرية الصحى.. وأنت أيضا تريد ذلك يا سيادة الرئيس.. أليس كذلك؟!..