من السهل أن نتهم المتظاهرين الذين شاركوا فى تظاهرات جمعة الأرض، قبل بضعة أيام بأنهم مخربون ومحرضون وإرهابيون وإخوانيون وغيرها من الاتهامات المعلبة التى صارت مستهلكة وفاقدة التأثير من كثرة إلصاقها بأى شخص يخرج عن خط السلطة، وينتقد أداءها، لكن المؤكد أن مشهد يوم الجمعة الماضى يجب تأمله بعناية وتفحص. الوجوه التى شاركت فيه والتى كان أغلبها وجوها لشباب فى أول العشرينيات، بمعنى أن هؤلاء كانوا أطفالا فى الخامسة والسادسة عشر حين اندلعت ثورة يناير، لذلك رغم وجود بعض الوجوه السياسية المعروفة الأكبر سنا فهذا يشير بوضوح إلى أن هناك شريحة غاضبة من المصريين من الجيل الأصغر ويرسخ ذلك الاعتقاد المظاهرات التى اندلعت فى الجامعات المصرية وتدشين الطلاب حركات وروابط مناهضة للتنازل عن جزيرتى تيران وصنافير، أيضا كبار السن لم يغيبوا عن المشهد، فصفحات الإنترنت مليئة بفيديوهات يشارك فيها أجيال أكبر فى تغير نوعى يهدم الاعتقاد القديم أن كل كبار السن مؤيدون للسلطة بعكس الشباب، رغم بيان الإخوان عن المشاركة الذى كان سببا فى إحجام الكثيرين عن النزول إلا أن من قرروا النزول كانوا يدركون أن بيان الإخوان نوع من محاولات التواجد فى المشهد وتصفية الحسابات الداخلية بين القيادات المتنازعة على شرعية القيادة داخل التنظيم، لذلك لم يصطبغ المشهد بلون إخوانى ولا روح إخوانية بل طغت عليه المشاعر الوطنية التلقائية الغاضبة من طريقة تعامل السلطة مع الأزمة.
لم أشارك فى هذه التظاهرات، ولكنى سألت شابا شارك فيها وسجل مشاركته على صفحته بموقع الفيس بوك، سألته عن سبب المشاركة رغم أنه ليس صاحب نشاط سياسى سابق فقال لى كلمة واحدة: الشعور بالإهانة!
إجابة الشاب تكررت على ألسنة أصدقاء وجيران ومرضى أعالجهم، وكثير منهم مؤيد للسلطة، لكنه يشعر بالإهانة من الطريقة التى تم التعامل بها مع مشكلة الجزر، قال لى أحدهم: لو كانت الحكومة احترمتنا كمواطنين وأعلمتنا بالقضية قبل أن تُعلم بها الأمريكان والإسرائيليين الذين عرفنا من الصحافة الإسرائيلية أنهم شركاء فى الاتفاق الرباعى بخصوص الجزر، لو عرفتنا الحكومة التفاصيل وأبرزت الوثائق التى تثبت ملكية السعودية للجزر ما غضبنا ولا شعرنا بالإهانة، لكن كل ما يتم تداوله مراسلات وبرقيات لا يعتد بها فى قضايا التحكيم الدولى، فلتكن الجزر سعودية أو ملكا لأى دولة أخرى، وواجبنا أن نعيدها لها، لكن ليس بهذه الطريقة المخجلة التى تسخر منها الصحف العالمية وتصف المصريين بأنهم أهدوا جزءا من أرضهم مقابل مساعدات مالية!
لو وجدت السلطة بين صفوفها بعض المخلصين لنصحوها بوقف الاتفاق وتأجيله لحين إيضاح الحقائق وبث الطمأنينة، مع ضرورة تفهم السعودية لذلك، دون إضرار بالعلاقات الأخوية المشتركة، مع إلغاء فكرة الاستفتاء أو تصويت البرلمان على ذلك، لأن هذا سيفاقم من الأزمة لانهيار ثقة الناس فى البرلمان وعدم قناعتهم أصلا بفكرة الاستفتاء.
صانع القرار لا بد أن يضع فى اعتباراته أن الأطر التقليدية قد تنجح فى احتواء الأزمة، إذا تم اللجوء إليها من البداية، لكن طالما أنها أُهدرت، وتم تصدير الأزمة بقرار منفرد وفوقى يلغى وجود الشعب، فالأولى التريث ومعالجة تداعيات الخطأ.