ويظل السؤال عالقا هل جزيرتى تيران وصنافير مصريتان أم سعوديتان؟
لسان حال كل مواطن من البسطاء كان أم النخبة أم أنصاف المتعلمين أو حتى الأميين، حيرة تعقد لسان من يرفض تصديق أن أرضه قد يتم بيعها أو التخلى عنها، لفرط يقينه بمن ارتضاه وليا لأمره، فهو رجل نزيه خرج من رحم مؤسسة لا تعرف التفريط ولا ترضخ للضغوط ولا تيأس من التوضيح، وعلى الجانب الآخر سيل من الاجتهادات والحذلقات والتحليل تتشرنق فوق شفاه المتسولين للشهرة والمتحذلقين في فن السياسة والمدعين لمعرفتهم بكل قضايا الكون، هؤلاء وجدوا ضالتهم وتمطعوا بتحليلاتهم المنزهة عن الهوى، ومارسوا هوايتهم الخبيثة في شحذ النفوس وتضليل الرأى العام بالحق والباطل بالوعى والجهل بالأجر والمجان، تطوعوا دون وجل لإشعال الحرائق الكامنة تحت الرماد، أبواق زاعقة دون وعى ولا إدراك ولا فهم لكل الخلفيات والتداعيات؟؟ وبين الفريقين يبزغ ضوء خافت مثل طيف باهت يتراقص في ظلمة موحشة، هم من يحاولون تسليط الضوء بحيادية واعتدال ومحاولة الفهم بموضوعية كى لا تختلط الأوراق وتصم آذانهم وسوسات التفرفة والحقد والتأليب، ليطغى الغضب ويغشى العيون ويتحول إلى قناعة ساخطة على كل يقين آمنوا به واستمدوا قوتهم من خلاله، فما الهدف؟ ومن الستفيد؟.
هل كما يتردد بأن الاتفاق يخدم إسرائيل في المقام الأول؟ وذلك بنشر قواعد أمريكية في الجزيرتين بحكم اتفاقية الدفاع المشترك بين السعودية وأمريكا تقدم كخدمة مجانية لإسرائيل؟؟ إسرائيل في كل الأحوال تخرج رابحة، فلم تتعود الخسارة ولم تبن كيانها الكاذب على خدعة. هل هو بداية الطريق لتطبيع سعودى إسرائيلى عبر بوابة الجزيرتين؟ اعتقد أن طريق التطبيع ممهد دون الحاجة إلى الجزيرتين والكل يعلم حجم العلاقات السرية بين العرب وإسرائيل وتكشف عنها إسرائيل ذاتها لإحراج الحكام أمام شعوبهم والأمثلة كثيرة، فإن إرادت إسرائيل مد جسور المحبة لمن ينفذ مصالحها وأجندتها في المنطقة لن يعيقها خرائط جغرافية ولا ترسيم حدود بحرية؟ هل يشكل التخلى عنهما تهديدا للأمن القومى المصرى في حال عقدت السعودية اتفاقات أو صفقات بشأنهما دون الرجوع إلى مصر؟؟ اعتقد أن مصر تدرك معنى الأمن القومى وضروراته جيدا، أما إذا كان المغزى هو ما تركه الاتفاق من إحساس بالامتهان للكرامة المصرية بسبب التخلى عن جزء أصيل من أرضها، فماذا إن لم تكن الجزيرتين مصريتين كما تقول الوثائق حتى الآن؟!.
إذن ما الهدف من كل هذا الجدل واللغط والحيرة؟! هل هو الإجابة التقليدية إثارة الشارع وإشاعة الفوضى والبلبلة بهدف زعزعة الأمن والاستقرار؟ أم أن اهتمامات الرأى العام تغيرت وبدأت تتشكل في الوعى الجمعى قناعة بالمشاركة السياسية حتى وإن أفضت إلى فوضى أقرب إلى الكارثة؟! لكن للمشاركة شروطها، فالمشاركة بوعى ومتابعة وتربية سياسية، يختلف كثيرا عن الغوغائية والعشوائية المنتشرة هذه الأيام وبالذات على مواقع التواصل الاجتماعى، فما نراه ونقرأه من أفكار تثير العجب والدهشة والتساؤل؟! من الصح طرح القضايا المصيرية للنقاش والبحث في آراء ذوى الخبرة والتخصص والثقة في القدرة على الحسم بالعلم والمنطق بعيدا عن نظرية المؤامرة والتشكيك والتخوين. فمن يحسم هذا السعار من الجدل قبل أن يتطور إلى فتنة؟!.
الفريق الذي يدعو إلى عدم التفريط بالجزيرتين يقول إنه يستند إلى خرائط وحقائق دامغة جغرافيا وتاريخيا تؤكد مصريتيهما؟! متبوعة بالغيرة الوطنية القائمة على المشاعر والإحساس بالتفريط الوطنى للأرض التي تمثل الكرامة والعرض، لكن دون الاستناد إلى حقائق علمية قاطعة تحسم الجدل ومعترف بها في حال اللجوء إلى التحكيم الدولى على الأقل، أما الفريق الذي يرى أنهما سعوديتان ولابد من عودة الحق لأصحابه، فلا بد أن يمتلك الكثير من الصبر والكياسة وامتصاص ردود الفعل الغاضبة والرافضة، وقبل كل شيء أن يكون لديه الحجة القوية القادرة على إقناع الرأى العام، وفى النهاية لا بد أن يكون هناك مرجعية ذات مصداقية تستطيع حسم الجدل، الدائر في حلقة مفرغة لا تنتهى، وبدأت تظهر توابعها بإشعال حرائق الاحتجاجات والمظاهرات المتفرقة بما لا يشى بحسن المآب؟.