في المجتمعات الديمقراطية الحديثة – التي لم ننتمي إليها بعد- تكون فردية المواطن مصانة ومحترمة بقدر كبير، وتتعامل غالبية المؤسسات المجتمعية مع الأطفال بتقدير حقيقي.
ولو تأملنا قليلاً ما يعكسه العالم الفني في مصر لتعامل الكبار مع الأطفال في معظم الأعمال الفنية لأدركنا كم الإساءة التي يتعرض لها الأطفال ولو تأملنا واقعهم الحالي لسوف نلاحظ الأسوأ، وكلما تدنت القدرات المالية للعائلة المصرية، كان تعرضها للقهر أقوى وأكبر.
دارت تلك الأفكار في ذهني حين كنت في سان فرنسسكوا في مؤتمر لتعميق الحوار بين الثقافات والأديان المختلفة، وشاهدت جلسة غير رسمية بين رئيس ومؤسس المبادرة المتحدة «بل سوينج» (1936----) وكان ذلك في العام الماضي، حيث كان يقترب من الثمانين من عمره ومجموعة من شباب الجامعة حول القوى النووية ومشروعية استخدامها، وكان الملفت للنظر كيف كان يصغي باهتمام واحترام لجموعة من الشباب والشابات في مقتبل العمر، وهنا بات يتضح أول دروس الديمقراطية الحديثة، احترام الآخر رغم السن والمركز والمكانة والقامة، ولتقارن ذلك سريعاً في مصرنا الحبيبة حين يتجاهلك بعض أصدقائك القدامي حين يتولوا مناصب أعلى أو حتى حين تتغير ظروفهم المادية.
ثم دارت في رأسي نفس الأفكار وتذكرت حوار قصير مع عميد الجامعة التي أعمل بها وهو أمريكي مع زميلة لي من أستراليا، وحين قال لها متسائلاً «لا أعرف لماذا يأتي الناس إلى القاهرة؟» وهنا قالت الزميلة الأسترالية بهدوء وثقة «ولماذا أتيت أنت؟» وارتبك قليلاً ولم يجب، وتساءلت متعجباً كيف تمتلك تلك الأسترالية تلك الشجاعة وهي تتكلم مع العميد!!!.
ومن الواضح أن أحد أهم مقومات الثقافة الغربية هي تربية الأطفال بلا خوف من أي سلطة، فهم يسألوا في أي شيء ويسألوا أي شخص، فأهمية الشخص ليست في مركزه أو القامة أو الهالة المحيطة به أو مجموعة الكومبارس والزمارين من حوله، لكن تنبع الأهمية مما يقدمه ذاك الشخص للناس.
ومازال البعض في مصر يخلط بين الشخص والمنصب، فرئيس الجمهورية، منتخب من الشعب لينفذ ما وعد به في الحملة الانتخابية، ولم ير المواطن على كافة الأصعدة تغييرات ترضيه، فمازلنا لم نتجه خطوة واحدة تجاه تعليم يعتمد على تنمية المهارات واكتشاف المواهب في أطفالنا، ولم تتعاون الحكومة بجدية مع خطة سميح ساويروس لخلق أفكار جديدة ومدارس جديدة تسمح بوجود تعليم جيد لعموم الشعب المصري، ولم تقدم حتى البديل لخطته!!
والمواطن يهمه في الأساس التعليم والصحة والخدمات التي تقدمها المحليات وتلك الملفات لم تمس حتي الآن، لا يوجد معني للقيام بمشاريع عملاقة بمعزل عن تطوير العقول، ما لم تتطور العقول وننزع عنها الخوف، سوف نساهم في خلق أجيال خانعة خائفة، تخشي من كل سلطة، وكل صاحب منصب، في الدول الديمقراطية الحديثة المواطن ملكاً، وليس أدل على ذلك سوى أن تشاهد رئيس وزراء كندا الشاب بعدما فاز في الانتخابات وصافح الناس في المترو، الناس كانت تصافحه في ود وفي نفس الوقت يدرك كل مواطن أنه له نفس القيمة والقامة، وكانوا يصافحوه سريعاً للذهاب لعملهم، وتلك هي الديمقراطية الحقيقية.
ولنتأمل قليلاً رعشة وارتباك رئيس مجلس النواب على عبدالعال في حضرة ملك السعودية، ونتساءل لما كل هذا!!
حين يصبح أفراد الشعب ملوكاً يصبح رئيسهم ملكاً، حين يخاف الشعب، فلتتأكد أن الرئيس نفسه يخشى شيئأً ما.
شريف رزق
[email protected]