وضع الرئيس مجلس النواب في مأزق كبير، حين قال عنه، خلال لقائه مع عدد من ممثلى الشعب، أمس الأول، إن «البرلمان سيناقش الموضوع، وله أن يمرر اتفاقية ترسيم الحدود مع السعودية، أو يرفضها».
الرئيس وضع البرلمان في مأزق كبير، لأن للرئيس عبارة أخرى، خلال اللقاء ذاته، يقول فيها إن أوراق الجيش، والخارجية، والمخابرات تقول إن جزيرتى «تيران» و«صنافير» سعوديتان.
ما الذي سوف يناقشه البرلمان إذن، إذا كان الرئيس، خلال اللقاء، قد قطع بأن أوراق هذه الجهات السيادية الثلاث التي يحترمها كل مصرى، قالت رأيها النهائى في الموضوع، وانتهى الأمر؟!
أمام البرلمان خياران لا ثالث لهما.. فهو إما أن يوافق على الاتفاقية، وسيتحول، عندئذ، إلى هدف ثالث للهجوم، بعد مؤسسة الرئاسة، وبعد الحكومة، وسوف يكون الهجوم عليه أشد وأعنف، لأن الذين سيتابعون مناقشته للاتفاقية، سوف يتابعونها، وفى أذهانهم أنه يمثل الشعب، وأنه منتخب وأنه ليس جهة تنفيذية، وأنه ليس تابعاً للحكومة، وأنه.. وأنه.. وبالتالى، سينتظرون منه رأياً مختلفاً في القضية كلها!.. فما أصعب موقفه حقاً!
وإما أن يرفض المجلس الاتفاقية، ويكون في هذه الحالة قد تسبب في أزمة في العلاقات بين البلدين، ويكون أيضاً قد اصطدم بالجيش، والخارجية، والمخابرات معاً!
لا يملك البرلمان خياراً ثالثاً، وسوف يذهب إلى مناقشة الاتفاقية، وهو عارف تماماً أن قراراً سياسياً قد سبق وحسم الموضوع!
لقد كنا في غنى عن هذا كله، لو أن الدولة أخذت زمام القضية في يدها مبكراً، ولو أنها مهدت لها فيما قبل زيارة الملك سلمان، ولو أنها قالت مسبقاً إن زيارة العاهل السعودى سوف تشهد ترسيماً للحدود البحرية لنا معها، وإن هذا الترسيم سوف يشمل جزيرتى كذا، وكذا، وإن ما عندنا من أوراق الجيش والخارجية، والمخابرات، يقول كيت.. وكيت.. وإن الأوراق التي لدينا هي الورقة الفلانية، والورقة العلانية، وإن كل ذلك سوف يجده المواطنون منشوراً ومذاعاً أمامهم في إعلام الدولة.. وليس في الإعلام الذي يتاجر بالدولة!
مستشارو الرئيس، الذين لا نعرفهم، أشاروا عليه، كالعادة، بما أدى إلى أزمة، بدلاً من أن تؤدى استشارتهم إلى حل أزمة، ولأننا لا نعرفهم فإن الرئيس بدا أمامنا وهو يحمل المسؤولية وحده، ويدافع عن رأيه، وحده، وقد وجد نفسه، في النهاية، في موضع المدافع، لا المهاجم، دون أي مبرر.. وأيضاً وحد.
إن آراء كثيرة، وموثقة، ظهرت في وسائل الإعلام، وقالت إن الجزيرتين سعوديتان دون شك، ومع ذلك فإن كثيرين تجاهلوها وأخذوا بالعكس، وانحازوا إليه، لا لشىء، إلا لأنهم أحسوا، منذ البداية، أن الدولة تجاهلتهم ولم تضع لهم اعتباراً بوصفهم مواطنين، لا أكثر!
كان الله في عون البرلمان، وهو يناقش ملفاً حسمته الدولة وأغلقته قبل أن ترسله إليه!