عندما تجد الإعلامى أحمد موسى فى إثباته لملكية السعودية لجزيرتى تيران وصنافير يستشهد بمقتطفات من كتاب الأستاذ هيكل الذى طالما هجاه فى برنامجه، ثم تجد الأستاذ نجاد البرعى يعلن «قرفه» من موقف عمرو حمزاوى شريكه فى كل اللى فات واللى جرى لتبنيه نفس الموقف الدفاعى، ثم تجد ثوار يناير يستشهدون «بوطنية» مبارك الذى لم يفرّط فى أى شبر من الأرض، فلابد أن تجرى لتتسلق أقرب جبل فى الصحراء ثم تركع على ركبتيك مثل «بجاد» فى فيلم الشيماء وترفع يدك للسماء وتنطق الشهادتين!.. فى نهاية الزمبليطة، الجميع بمختلف اتجاهاتهم اتفق على أن الغلطة الكبرى كانت فى أخذنا على «مشمنا» وإلقاء الأمر فى وجهنا هكذا دون إحم أو دستور.. فى رأيى أن هذه هى كبرى المشكلات، لأن المفاجأة أصبحت منهجًا يتبعه النظام فى أمور كثيرة.. حتى ما سيق عن أن السرية كانت مطلوبة لتجنب إيذاء الرأى العام، بدا لى وكأنه يفسر الماء بالماء، فالغموض شاب التفسير مثلما اكتنف الفعل!.. تعجبت من التأكيد على أنهم سألوا كل الناس رغم إن محدش سألنى ولا سألوا الجيران ولا حتى البقال ولا المكوجى!.. لماذا يصر القائمون على المؤسسات على تجاهل أن الشعب لا يجدى التعامل معه معاملة الأطفال التى كان يتبعها نظام مبارك؟.. يبقى أن أشد ما يؤلم فيما حدث من هيصة هى تلك الاتهامات للرئيس بأنه «باع أرضه»!!.. كأنه ليس عسكريًّا تفرق معاه الأرض أكثر منى ومنك.. كأنه لم يتبرع بالفعل بنصف ثروته لمصر بمبادرة لم يفعلها أحد غيره فى التسعين مليون!.. ما أشعل الدنيا هكذا هو تفشى الجهل بين المثقفين، وتلك الرغبة المحمومة فى تصيد السقطة واللقطة للرئيس!.. للأسف إن مثقفينا مثقفين روايات وشعر وفلسفة، لكنهم سياسيًّا يفتقدون الوثائق ومصادر المعلومات!.. لا أزعم أننى العلّامة، لكنى فى هذه الواقعة تحديدا رجعت إلى أبى الذى كان وزيرا للحكم المحلى عشر سنوات، وهرس وداس كل شبر فى مصر رايح جاى ويحفظه عن ظهر قلب، فكان أن أكد لى ملكية السعودية لتلك الجزيرتين.. لذلك تعجبت جدًّا من شخصيات عامة ومنها من هو مثقف وباحث لكنهم سفّهوا كل ما تم تداوله من خطابات رسمية بين المسؤولين آنذاك واعتبرها ليست بوثائق، طيب، إذا لم تكن الوثائق هى كل التقارير والمخاطبات بين المسؤولين، فما هو تعريف «الوثائق» من وجهة نظرهم؟.. من هؤلاء المعترضين من لا يحمل أجندة شخصية ولا مزايدة على وطنيته، ومنهم الجهلة وإن حملوا الدكتوراه، لكن المدهش أن جميعهم زعموا أن لديهم الوثائق التى تؤكد ملكية مصر لهاتين الجزيرتين، فلماذا إذن لا يعلنون تلك الوثائق إعلاميا؟.. هذا لا يعنى أننى لا أرى سلبيات فى إدارة البلاد، بالعكس، فالقفا الذى تلقيناه من سد النهضة يقف غصة فى حلقى.. خاصة أننا لم نتلقاه على سهوة!.. السادات قام بضرب سدود صغيرة شيدتها إثيوبيا فى عهده؛ مبارك هدد بتفجير السد إن همَّت ببنائه؛ أما نحن فضعفنا، واختزلنا القضية فيما أسميناه «الفقر المائى»، وكأن جفاف النيل واختفاءه من على خريطة مصر ليس عارًّا ما بعده عار!!.. نفس الضعف نراه الآن مع السلفيين حتى صار العهد الحالى هو العهد الذهبى لهم!!.. تهاون النظام أيضا فى مكافحة الفساد يحبطنى لدرجة أنه مثلما كان يقال فى عهد السادات إن من لم يغتنِ فى عهده فهو لن يغتنى، ومن لم يتملك أرضا بالسبهللة فى عهد مبارك فهو لن يمتلك، فإننى لا أتمنى أن يذكر الناس العهد الحالى بأنه العهد الذى كان الفساد فيه سداح مداح، خاصة أن المبلغين عن الفساد ينكل بهم فى مختلف المواقع ويستنجدون بالنظام، بينما النظام قاعد بيتفرج!!.. صحيح أن هناك العديد من الإنجازات، لكنها لم تقترب من حل مشاكل المواطنين اليومية، لأنها إنجازات تمت هناك بعيييد عند القمرة!.. لكن كل هذا لا يعنى أن نشكك فى إخلاص الرئيس، ولا يجب خلط الأوراق!.. كان بإمكانه «البيع» عندما كانت رقبته على المحك.. كان بإمكانه توفير نصف ثروته لأولاده طالما أن بيع الأرض قادم.. لكنه لم يفعل.. فى النهاية أقول لهؤلاء السادة المعترضين على إعادة الجزر لأصحابها، قبل أن تقفوا للراجل على السقطة واللقطة وتهاجموه، روحوا أولا اتبرعوا بنصف ثرواتكم مثله، أم أن الوطنية فنجرة بؤ؟!
www.facebook.com/ghada sherif