x

سعيد السني مأزق ريجيني.. وقانون منع الـ«فيس بوك» سعيد السني الإثنين 11-04-2016 14:23


إذا كانت قضية ريجيني بغض النظر عمن يكون القاتل، «المجهول» حتى الآن، قد سلّطت الضوء قوياً ساطعاً عالمياً، على ملف الحريات المقيدة والممارسات المقيتة انتهاكا لحقوق الإنسان لدينا، وما تبعها من تداعيات وصولاً إلى استدعاء إيطاليا سفيرها للتشاور، وماقد يليه من تدهور محتمل للعلاقات المصرية الإيطالية وربما الأوربية.. فإن الواجب علينا تَدَّبُر كلمات السيدة والدة ريجيني أمام البرلمان الإيطالي.. فهي كاشفة لحالنا بقولها: «إن المشكلة ترجع إلى أنهم في مصر.. تعاملوا مع إبني كما لوكان مصرياً»، بما مفاده شيوع السمعة عنا، بأن تعذيب وقتل المواطن المصري أمر سهل وميسور ومعتاد لا غبار عليه، مع ملاحظة أنخطابها كان مثار اهتمام الرأي العام العالمي، ما جعل منه دعاية فائقة السوء لمصر، أخذاً في الاعتبار البعد الإنساني كونها أم مكلومة في إبنها، ولست بحاجة إلى التذكير بأن ريجيني لو كان مصريا، لما كان ممكنا لوالدته أن تصل إلى منصة «مجلس النواب» وتلقى خطابا من عليها.. بل لا أبالغ إذا قلت إنه ليس بمقدورها مجرد المرور من الشارع الكائن به مجلسنا النيابي.. المدهش إلى حد الذهول هو أداء الدولة المترافق مع الأزمة وتوابعها من إدانات دولية حقوقية.. كأنها تهدف لتأكيد الصورة السيئة المعلومة عنا.. فقد فتحنا معركة مع منظمات المجتمع المدني بإحالة العشرات منها إلى التحقيق الجنائي،وعزلنا رئيس أكبر جهاز رقابي (المحاسبات) بعد حديثه عن «الفساد»، ورغم مطالبات سابقة مبكرة بعزله، فقد اخترنا التوقيت السئ، وحتى عملية تصفية العصابة المنسوب إليها خطف وسرقة الاجانب أساءت إلينا.. أما الأكثر ذهولاً.. فهو أن «مجلس النواب» الذي لاينطق عن الهوى، إنما بوحي من أجهزة نافذة، يتجه إلى إصدار قانون لمنع مواقع التواصل الاجتماعي فيس بوك، وتويتر، وغيرهما، أو التضييق عليها بحجة «تنظيمها»، حسبما أعلن رئيسه الدكتور على عبدالعال (كاتب الدستور)، وأبعد الناس عن احترام هذا الدستور، وإلا لما فَكَّر ومجلسه في مثل هذا القانون المنتظر، تقييدا لحق الناس في التواصل والتعبير والفضفضة وحتى الهري، وكان على مجلسه أن يتصدى لعشرات المشكلات التي تمسك بخناق ملايين المصريين من فقر بنسبة 40% أو يزيد، وبطالة، ونيران الأسعار وغلاء المعيشة، وحياة العشوائيات الخانقة لنحو 25% من السكان، وتلوث مياه الشرب وغياب شبكات الصرف الصحي بالكثير من القرى والمدن، وشعار «الموت للفقراء» المرفوع بالمستشفيات الحكومية، والتعليم الذي لايسر،وانتشار الفكر المتطرف الباعث على الإرهاب، ناهيك عن القوانين الواجب سنها تفعيلاً لمواد الحريات والحقوق الدستورية المهمملة بل والمهدرة.

أفيقوا يا حُكامنا.. كفوا عن التضييق على الحريات.. أرفعوا أيديكم عن مواقع التواصل الاجتماعي.. لو سألتمعلماء النفس والاجتماع لعرفتم أن هذه الصفحات التي تزعجكم على فيس بوك وغيره، هي «ميادين افتراضية» للهتاف وتفريغ شحنات الهم والنكد والغضب واليأس والإحباط والكبت والقهر الذي يعانيه غالبيتنا، بما يستنفذ هذه الطاقات النفسية السلبية ويستهلكها،ويريح الغاضبين بعد أن يعبروا عما في نفوسهم، وهو مايؤجل تراكم براكين الغضب في النفوس، وبالتالي يؤخر الانفجار الذي لو حدث لاقدر الله، سيكون وبالاً على البلاد.. ليتكم تتفهمون وتراجعون انفسكم وتفتحون صفحة جديدة بإطلاق الحريات ووإرساء قواعد العدل والإنصاف ومنع الانتهاكات وتحرير المظاليم من محابسهم واحترام الدستوروكرامة المواطنين، وغسل سمعة مصر دوليا.. فهذا هو الطريق الصحيح للنمو والرفاهية والرخاء لتصير «مصر أد الدنيا».. أما إدارة الدولة وأزماتها على هذا النحو الاستبدادي الفاشل، شديد العشوائية بطريقة سمك – لبن – تمر هندي، كما لو كانت جزر منعزلة لا رابط بينها، فهو الخطر بعينه على بنيان الدولة، ومأزق ريجيني خير شاهد.

نسأل الله السلامة لمصر.

[email protected]

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية