x

سعيد السني التفسير التآمري والقوى الشريرة سعيد السني الإثنين 04-04-2016 21:28


لم يكد الصوت ينقطع عن «المايك» بيد المطربة أنغام، وهي تحيي حفلاً غنائياً ساهراً بأحد الفنادق الكبرى قبل عدة ليالي، حتى سارعت في الحال إلى موقع انستجرام، ناشرةً صورة لها مع التعبير عن استيائها وشعورها بـ«المؤامرة»، تفسيراً منها لـ«تعطل المايك» الذي جرى إصلاحه في دقائق معدودة.. تفكير «أنغام» بهذه الطريقة كاشف عن الغلبة والسيادة لهذا النوع من التفكير على «عقولنا»، كأنه لا يكفينا تغييبها جراء شيوع الفكر الخرافي والدجل والشعوذة وغيرها.. نترك أنغام إلى عملية اختطاف الطائرة المصرية.. فقد اطلت علينا من شاشات الفضائيات وجوه كثيرة لساسة وخبراء استراتيجين ونواب بالبرلمان، راحوا يشرحون ويحللون مؤكدين وجازمين بأنها «مؤامرة» قد تكون أمريكية أو غربية وربما دولية كونية لتشويه صورة مصر عالمياً، وخنقها اقتصاديا وإسقاطها، وذهب فريق منهم إلى غرض مقايضة الرهائن، بسجناء الإخوان، واستهداف وقف التحقيقات الجارية بقضية التمويل الأجنبي لمنظمات المجتمع المدني، التي جرى شيطنة القائمين عليها، كما لو كانوا على وشك هدم الدولة لولا يقظة «الأجهزة الأمنية» بارك الله فيها.

الطائرة ليست موضوعي.. بل «نظرية المؤامرة»، وتعني أن قوى شريرة أو جهات خفية قد تكون مخابراتية أو «مجلس إدارة العالم» المزعوم، وما شابه، يمتلكون تحريك الكون وصناعة الأحداث، للقضاء علينا نحن العرب، وكأننا نمثل خطراً عليهم.. وقد شاع هذا التفسير وراج مع انطلاق «ثورات الربيع العربي» التي جرى حسبانها «مؤامرات خارجية»، لإسقاط «الأنظمة القائمة» آنذاك، مع إنها موالية للغرب ولم تكن في عداء معه، أو كأنها لم تكن أنظمة ديكتاتورية فاسدة تمارس القمع والاستبداد ببشاعة فجرت براكين الغضب لدى الشعوب المقهورة.

إذن تفسير الأحداث والوقائع، بإرجاعها إلى «تآمر» خارجي كوني شرير، صار مسيطراً، وموضع إلحاح إعلامي مكثف ومحور تحذيرات متتالية من حُكامنا، وبات غالبية الكتاب وخبراء الشاشات يلجأون لهذه النظرية يفسرون بها المشكلات المطروحة، يصيبون المتلقي بالدوار بعد إيهامه بأننا أمام قوى خارقة لا طاقة لنا بها، وبهذا يقدمون مخرجاً سهلاً لـ«أهل الحكم»، بما يعفيهم من مسؤولية الفشل فيما لو ساءت الأمور، ويساعدهم على حشد الجماهير ورائهم عمياناً أو نياماً بلا عقل ولا منطق.. والمدهش أن الواحد من هؤلاء، يستهل شروحه، بإنكار «نظرية المؤامرة» والكُفر بها، ثم يستدرك قائلا: «ولكن».. لنكتشف في النهاية أنه من أشد المتعصبين والمروجين لها.. على أنه ليس من الملائم نفي المؤامرة تماماً.. إذ هي أصلاً من إنتاج «الغرب»، والطبيعي أن يستخدمها لصالحه عند اللزوم.. من زاوية أخرى، فليس هناك ما يمنع الاستعانة بـ«التفسير التآمري» شريطة أن يكون هذا في حدود ضيقة ومعقولة، مقبولة عقلاً ومنطقاً، دون مبالغة أو تهوين، وأن يكون هذا دافعاً للتحوط والتحصن، واتخاذ ما يلزم لإسقاط المؤامرة إن وجدت، وليس مهرباً من المواجهة والمسؤلية.. بل حافزاً لإيجاد الحلول والبدائل العملية علاجاً للمُثار من أحداث أو مشكلات.. على سبيل المثال إذا كان معلوماً أن «السياحة» هي من الأعمدة الهشة للاقتصاد لسهولة تأثرها بأي حادث.. فماذا فعلنا لتعويض الدخل السياحي المفقود؟.. لم نفعل أكثر من حديث المؤامرة والرجاءات للآخرين، مثلما نركن إلى مؤامرة الغرب في تخفيض أسعار البترول، دون الاهتمام بتصنيع «الخامات البترولية» التي تمثل 60% من صادراتنا، بما يضاعف عائداتنا الدولارية منها؟، كما لايزال «التهاون» في حقوقنا المائية المحمية بالقانون الدولي سيد الموقف في قضية سد النهضة، اكتفاءً بالمؤامرة الإسرائيلية.. بل إننا لم نعالج أسباب ثورة 25 يناير، وانما زادت معاناتنا من الفساد والممارسات القمعية وكبت الحريات، وبطالة الشبابوالسياسات الاقتصادية الفاشلة.. وهكذا.

لدينا الكثير مما نفعله بدلا من حديث المؤامرات.

نسأل الله السلامة لمصر.

[email protected]

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية