إذا صحت الأنباء التى تقول إن أحد رموز الدولة هو الذى عذب وقتل الباحث الإيطالى، فعلينا فورًا أن نعلن ذلك ونسلم القاتل أو نحاكمه. لا أعتقد أن هناك توجها رسميا من قبل أى مؤسسة رسمية بالدولة لتعذيب الباحث وقتله، لكن ربما يكون هناك فرد ينتمى إلى هذه المؤسسة أو تلك هو من تطوع للقيام بذلك. أقول ذلك لأن الدولة ليست من السذاجة أن تعذب مواطنا أوروبيا وتقتله ثم تلقى به فى قارعة الطريق. لكن وارد– وقد يكون ذلك افتراضا خاطئا- أن يقوم موظف عام بذلك، اعتقادًا بأنه يقوم بخدمة بلاده، لأنه ظن أن الباحث ارتكب جرما بالبحث فى الشأن السياسى. قد يكون الباحث مدفوعًا من جهاز مخابرات دولة أجنبية، لكن التعامل مع هذا الموضوع كان يجب أن يتم فى إطار القانون واحترام حقوق الإنسان، كان من الممكن أن يطرد الباحث إذا لم يقر بحقيقة عمله، أو أن يحاكم لو ثبت جرمه. أما أن يعامل بهذه الطريقة من أى مصرى وداخل مصر، فإننا نكون أمام مستقبل غامض ينتظر العلاقات المصرية الإيطالية ولربما العلاقات المصرية الأوروبية.
تسليم قاتل أو محاكمته فى الداخل إذا صدقت تلك الرواية التى تغمز وتلمز يها وسائل إعلام مصرية عديدة ومنظمات حقوقية، وبدأت إيطاليا فى الترويج لها، هذا التسليم ليس نهاية المطاف. لن تقضى محاكمة المخطئ على سمعة الدولة المصرية أو تنال من هيبتها، بل على العكس ستظهر مصر كما لو كانت دولة تحترم حقوق الإنسان ولا تتستر على مجرم أو شخص سادى.
الأفضل– وكل ذلك على افتراض صدق الرواية الإيطالية وتلميح بعض المصريين والتى آمل أن تكون خاطئة- ألا يدفع المصريون جريرة رجل واحد، لا يمكن أن يمثل بلاده. قد يرى البعض أن الأمر سيكون محرجًا للغاية الآن، وأن وقته قد مر، لكن الحقيقة لمن لا يعلم كيف تدار العلاقات الدولية، وكيف يحيك البعض المؤامرات بمصر خاصة من قبل الإخوان، إن هذا الوقت رغم سوئه أفضل من غد، وغد أفضل من بعد غد. لماذا يدفع الشعب المصرى بل والدولة المصرية ثمن خطأ شخص. تخيل أن العقوبات لو فرضت على مصر من قبل إيطاليا، وسحبت إيطاليا استثماراتها الضخمة من مصر، وهجر سائحوها البلاد، وتوالت الأزمة وقام الاتحاد الأوروبى بذات الشىء، ماذا نحن فاعلون لمواجهة البطالة وزيادة اختلال الميزان التجارى، ناهيك عن سمعة الدولة؟
الدواء بالكى أفضل من ترك المرض، والدعوة إلى الحديث عن السيادة الوطنية، وتآمر الآخر علينا، وأين هو عادل معوض، كلها أمور لن تجدى شيئا. الإيطاليون لم ينتهكوا السيادة الوطنية، هم يريدون الحقيقة بشأن مواطن إيطالى، وهذا حقهم. لكن سياسة الرد بعنف كما ورد فى بيان مجلس النواب أو التعتيم كما تتهم إيطاليا وفد النيابة الأخير لن يؤدى إلا لتعقيد الأمور.