بعد تأخير وضعف إنجاز البرلمان الذى تحدثنا عنه فى المقالات السابقة، والذى تسببت فيه كثرة إجازات مجلس النواب، ما أسفر عن الحاجة العاجلة لسن قوانين الهيئة الوطنية والمحليات والتأمين الصحى... إلخ. اليوم نحن فى أمس الحاجة لتنظيم شؤون الصحافة والإعلام، بعد حال الارتباك التى نعيشها يوميًا جراء ما يحدث داخل المؤسسات الصحفية القومية والمستقلة، وأجهزة الإعلام المرئى القومية والخاصة.
تقريبًا لا يوجد فرد أو مؤسسة فى مصر إلا ولديه تحفظ على أداء أحد أو بعض أو كل تلك المؤسسات، فهى مع الاعتراف بقوتها بتواجدها داخل كل بيت مصرى وربما عربى، أصبحت هناك حاجة ضرورية لتنظيم شؤونها.
تنظيم علاقة تلك الوسائل بالمواطن باعتباره الطرف المخاطب الرئيس وربما الوحيد للمادة الإعلامية لتلك الوسائل كافة، بما فيها الإعلام الرقمى والنتى، هو الأمر المهم، وبعده تأتى الموضوعات الأخرى المتصلة بتأسيس تلك الوسائل وملكيتها، وكذلك الشأن المالى، والأمور المتصلة بمناخ عمل تلك الوسائل من حرية رأى وتعبير وخلافه، كلها موضوعات مهمة للغاية.
اللجنة التى تأسست بقيادة نقابة الصحفيين وسعت فيها إلى تمثيل كافة الاتجاهات والرؤى لكافة وسائل الإعلام وضعت تشريعا موحدا، رغم وجود بعض التحفظات الجوهرية عليه. انطلق المشروع من مواد الدستور المنظمة لتأسيس المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام بكل أطيافه، والهيئتين الوطنيتين للصحافة والإعلام المتصلتين بالإعلام القومى.
أتت اللجنة المسماة إعلاميًا بلجنة الخمسين بالعديد من الأمور الجوهرية المتصلة بحرية الإعلام والارتقاء بأصول المهنة ولم تغفل اللجنة عن محاسبة المخطئ بحق المجتمع والدولة فى إطار مواد الحريات والحقوق بالدستور. رغم كل ذلك لم نجد لأعمال تلك اللجنة صدى. هناك لجنة موازية أخرى وضعت تشريعا آخر لم ينل حظه من الظهور الإعلامى، لكن قوتها فى أنها لجنة مكلفة من الحكومة السابقة (حكومة محلب)، لكن أعمال تلك اللجنة التى وضعت أكثر من تشريع وليس تشريعًا موحدًا لم تجد لعملها صدى هى الأخرى.
نحن نريد سن التشريع حتى نستطيع أن نقول إن مجلس النواب قد أنجز شيئا ذا بال خلال هذه الدورة البرلمانية. لا سيما أن الكثيرين يدركون أن غالبية النكبات التى نتعثر بها ترجع إلى الإعلام وتداول المعلومات وحرية الكلمة وضمان حقوق المخاطبين بأحكام هذه التشريعات.
نريد أن نعرف من الحكومة ما هى المعوقات التى تحول دون إصدار هذا التشريع، لا يهم من أعد التشريع، المهم أن يظهر فى الفضاء التشريعى الحالى، الذى لا يحكمه عمليًا سوى مواثيق الشرف الإعلامية التى عز على الكثير من الإعلاميين أن يتمسكوا بتلابيبها.
نريد أن نرى تشريعًا يحد من تضارب المصالح، ينظم إدارة وملكية تلك الكيانات المؤثرة فى حياة المواطن. فهل سيتفرغ مجلس النواب فى الأيام المقبلة لإنجاز ذلك أم سيعود للإجازات التى لا تنتهى الحجج حولها؟