x

محمد حبيب مصادرة الحرية محمد حبيب السبت 09-04-2016 21:55


كان الحطيئة شاعرا هجاء مقذعا، لم يترك أحدا إلا هجاه.. وإذا لم يجد من يهجوه، هجا نفسه.. ولما كثرت الشكوى منه، أمر عمر (رضى الله عنه) بحبسه يومين اثنين.. وفى الحبس أنشد الحطيئة يقول مخاطبا عمر: ماذا تقول لأفراخ بذى مرخ.. زغب الحواصل لا ماء ولا شجر- ألقيت كاسبهم فى قعر مظلمة.. فاغفر عليك سلام الله يا عمر.. عندما وصلت هذه الصرخة إلى عمر، بكى بكاء شديدا وأمر بإخلاء سبيله..

وكما الصحة تاج على رؤوس الأصحاء لا يحسها إلا المرضى، كذلك الحرية تاج على رؤوس الأحرار لا يحسها إلا من فقدها يوما.. إن النفس بطبيعتها تهوى أن تعيش حرة طليقة، لذا، لا أحد يحب أن تقيد حريته فى سجن، أو ما شابه.. من تلك النافذة العالية داخل زنزانة أى سجن حللت فيه، كنت أرى العصافير تغرد وهى تتنقل فى حرية ويسر، فأتمنى أن لو كنت طائرا يحلق هنا وهناك.. لا زنزانة، ولا أسوار، ولا سجان يأتى ليفتح باب الزنزانة أو يغلقه.. فى إحدى المرات، دعيت للقاء مجموعة من الشباب فى إحدى القرى بمحافظة أسيوط.. كان عددهم ٣٥ شابا؛ وكما يقال «لا فى العير ولا فى النفير».. علم بذلك رئيس فرع مباحث أمن الدولة بالمحافظة قبلها بأربعة أيام، فأعد للأمر عدته، من أجهزة تسجيل وخلافه.. كان الرجل يكن لى «محبة» غير عادية، فانتهزها فرصة ثمينة لا تعوض، وادعى لرؤسائه فى القاهرة أنى أعددت لقاء تنظيميا خطيرا لمسؤلى محافظات الصعيد (هكذا).. أراد أن يقدم صيدا ثمينا، حيث كانت انتخابات مجلس الشورى على الأبواب.. لم يكن قد مر على خروجى من السجن بعد قضائى خمس سنوات سوى عشرة أشهر.. اقتحم علينا اللقاء مجموعة من الضباط والجنود ونحن نستعد لتناول طعام الإفطار حيث كنا صائمين.. كان ذلك فى ١٥ مايو عام ٢٠٠١..

انتقلنا إلى مقر مباحث أمن الدولة.. قضينا ليلة هناك.. وفى عصر اليوم التالى، تم ترحيلنا إلى نيابة أمن الدولة العليا بمصر الجديدة، حيث وصلنا ليلا.. وظل يحقق معنا حتى الصباح.. ثم انتقلنا إلى مقرنا الأخير؛ سجن مزرعة طرة.. ظل الحبس يتجدد من ١٥ يوما، إلى ٣٠ يوما، إلى ٤٥ يوما، وفى ٢١ أغسطس من عام ٢٠٠٢، أى بعد ١٥ شهرا، أذن المولى تعالى بالإفراج.. صحيح أنه لم يكن هناك تعذيب بدنى على أى فرد منا، لكن يكفى عذابا ووجعا وألما مصادرة حرية الإنسان، وفى ماذا؟ فى لا شىء.. هكذا كان نظام حكم مبارك، فالخمس سنوات التى قضيتها فى عهده «الميمون» كانت من أجل حرصى على خوض الانتخابات البرلمانية التى جرت فى ٢٩ نوفمبر عام ١٩٩٥.. أتذكر جيدا أثناء محاكمتنا أن قاضى المحكمة سأل ضابط مباحث أمن الدولة المسؤول عن جمع التحريات حول القضية: هل كان معهم سلاح؟ قال الضابط: لا.. سأل القاضى: فهل كان فى نيتهم استخدام العنف؟.. قال الضابط: لا.. مع ذلك حكم علينا بخمس سنوات بالتمام والكمال(!!) أهيب بالرئيس السيسى أن يسارع بالإفراج عن كل من لم يثبت فى حقه إدانة من أى نوع، ومن لم يصدر ضده حكم قضائى، وأن تكون فترة الحبس الاحتياطى أقل ما يمكن.. نريد أن يكون العدل هو سمة حكمك، وألا يؤخذ إنسان بجرم لم يرتكبه، أو بموقف أسيئ تفسيره..

نريد أن تفتح الباب واسعا أمام أى صاحب رأى أو فكر أو موقف، طالما يحترم النظام العام للدولة، ولا يتجاوز حدود الخصوصية الثقافية للشعب المصرى.. أفسح صدرك لمن يريد أن ينتقد سياستك.. لتكن كرامة المواطن المصرى هى الراية التى ترفرف على عهدك، ولتكن حائط الصد أمام كل من تسول له نفسه أن يعتدى عليها.. ليكن الالتزام بالدستور واحترام سيادة القانون هما السياج الذى يحمى نظام حكمك.. يجب أن يكون الضعيف فينا قويا عندك حتى تأخذ الحق له، والقوى فينا ضعيفا عندك حتى تأخذ الحق منه.. تحقق بنفسك فى كل ما يبلغك، ولا تدع لوشاية مغرضة أن تأخذ سبيلها إليك.. نريد تعميق ثقافة الاختلاف فى مجتمعنا، ولا نستسلم لثقافة من لم يكن معى فهو ضدى.. الأولى تثرى الأفكار والأطروحات والرؤى، وتمكننا من الاختيار الأصوب والأفضل والأكثر ملاءمة لما يفيدنا وينفعنا، وهذا دون شك يؤدى إلى نهضة المجتمع وتقدمه.. ولسنا فى ذلك أقل من الشعوب المتقدمة..أما الثقافة الثانية، فتحرم المجتمع من فكرة خلاقة أو مبدعة، ومن ثم تجعله رهين التخلف والتردى، فضلا عن زرع بذور الحقد والكراهية والانقسام الحاد، الأمر الذى يزيد المجتمع ضعفا وهشاشة.

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية