بدون لف أو دوران، كانت عندنا مرارة من رجال الأعمال.. تجربتنا الحديثة معهم مؤلمة.. قديماً كان هناك دور وطنى واجتماعى لرجال الأعمال.. كان يُقال عنهم «رجال صناعة»، أو «رجال اقتصاد».. وكانوا حيث كانت مصر بالضبط.. كلمة رجال الأعمال الآن أصبحت سيئة السمعة، حين دخلوا السياسة أفسدوها، وتحولت إلى بيزنس.. مهم أن يعودوا رجال صناعة واقتصاد، وأن يكون لديهم دور وطنى واجتماعى!
ليس شرطاً أن يلعب رجال الأعمال فى السياسة، وليس شرطاً أن يكونوا وزراء أو نواباً، فلن يضيف ذلك أُبَّهة إليهم.. ويعجبنى أن أحمد أبوهشيمة قد تنبّه لهذه المسألة.. فلا هو يلعب سياسة ولا يريد.. يدرك خطورة الحكاية.. ويعرف أن أحد أسباب الثورة هو رجل الأعمال المرتبط بالسياسة.. قال ذلك وأكثر فى لقائه بطلاب جامعة القاهرة، ونصح الشباب بأن يبدأوا فوراً، وألا يعتمدوا على الوظيفة الميرى أبداً!
انتقدت «أبوهشيمة» ذات مرة، فلم يَضِق صدره، ولم يرفع علىّ دعوى قضائية.. وظهر فى محطات فضائية وشكرنى.. وكانت مفاجأة لى.. وعندما تساءلوا: كيف تشكر مَن هاجمك؟.. قال لأنه لم يشتمنى!.. وأحسست بالمأساة.. الكتابات تحولت إلى شتائم، وإهانات، وتصفية حسابات.. والكاتب المحترم لا ينبغى أن ينتقم من أحد، ولا يهين أحداً.. خاصة إذا كانت الغايات سامية، وإذا كان الهدف مصلحة الوطن!
يحلو لـ«أحمد أبوهشيمة» أن يقول إنه رجل صناعة، لا رجل أعمال.. مَثَله الأعلى طلعت حرب.. يؤمن بالدور الاجتماعى الوطنى لرجال الأعمال.. ويؤمن أنه لا يمكن أن يعيش «آمناً» فى مجتمع محروم.. بحث عن القرى الفقيرة فى الصعيد وسيناء.. وحاول أن يرسم البسمة على شفاه الناس.. وهناك 40 قرية يقوم بتطويرها حالياً.. والآن أكتب عنه بلا حرج.. غالباً لا أكتب عن أشخاص، وإنما عن أفكار وقضايا!
هناك رجال أعمال أيضاً لهم أدوار اجتماعية ووطنية.. أعرف بعضهم طبعاً، ولا أعرف كثيرين بشكل شخصى.. كلمتنى الدكتورة ليلى أميرى عن معتز الألفى، وكلمنى المستشار عدلى حسين عن منصور عامر.. وأعرف أن آل ساويرس يفعلون أضعاف ما نعرفه عنهم، وقد تستغرب حين تعرف أن مساجد كثيرة تم ترميمها بأموال ساويرس «المسيحى»، كما أنه قدم أكبر جائزة باسم شيخ الأزهر الراحل سيد طنطاوى!
أكتب هذا الكلام، وأنا أنتظر أن يقوم رجال الأعمال بدور أكبر، وأنتظر منهم أن يتبنوا المواهب والكفاءات، كُتاباً ومبدعين وفنانين وعلماء، وليس فقط تقديم أوجه الخير للغلابة.. ولا أذيع سراً عندما طلبت «أبوهشيمة» لأقول له: فيه 100 طفل يتيم عاوزين يروحوا الملاهى فى يوم اليتيم.. قال بلا تردد: فوراً هيكلمك حد.. وكانت إحدى الجمعيات قد طلبت «مساعدتى» لإدخال الفرحة عليهم فى «عيد اليتيم»!
أخيراً، ينبغى ألا يعيش رجال الأعمال فى «أبراج عاجية».. وألا يشتغلوا بالسياسة أبداً.. بيل جيتس لم يشتغل بالسياسة، ولا زوكر بيرج، ولا الأمير الوليد.. فيا رجال الأعمال: ركِّزوا فى شغلكم فقط.. احتضنوا الشباب واشرحوا لهم تجاربكم وشجِّعوهم.. قولوا لهم: لا تنتظروا «تراب الميرى».. هكذا نصحهم أحمد أبوهشيمة!