x

مكاوي سعيد امرأة تكتب! إنه أمر لا يُطاق بالنسبة للرجل مكاوي سعيد الإثنين 04-04-2016 21:45


(إنك في البيت حيث تكون وحيدًا. ليس خارج البيت ولكن بداخله. في الحديقة توجد طيور وقطط، ويوجد أيضًا سنجاب وابن مقرض. أنت لا تكون وحيدًا في الحديقة، وإنما في البيت، وعلى درجة من الوحدة حتى لتضيع، الآن فقط أعرف أنى مكثت هنا عشر سنوات. وحيدة. ولأكتب كتبًا علّمتنى، أنا وآخرين، أننى الكاتبة التي صرت. كيف حدث هذا؟ وكيف يمكن لهذا أن يقال؟ ما أستطيع قوله أن نوع الوحدة التي عشت قد صُنعت من أجلى. لى أنا. وأننى في هذا البيت وحده أكون وحيدة. لأكتب. لأكتب بطريقة لم أفعل من قبل).

هذه الفقرة من كتاب «أن تكتب» للكاتبة «مارجريت دوراس» وهى كاتبة شغلت دنيا الأدب والمجتمع الثقافى والسياسى في فرنسا، أولاً، والبلدان الغربية وأبعد، طوال أربعة عقود، امتدت منذ منتصف الأربعينيات، وإلى أن غادرت هذا العالم، الذي افتتنت به، وآثرته بأغرب الكتابات السردية والمسرحية والسينمائية، حتى تحولت بأدبها وشخصيتها المثيرة إلى علامة فارقة في المسرح الإبداعى والإنسانى الغربى، للنصف الثانى من القرن العشرين، متصدرة أدب الرجال والنساء على السواء. وهذا الكتاب الساحر عن الكتابة صدر بالفرنسية عام 1993، وصدرت ترجمته العربية البديعة هذا العام مع مقدمة وافية للشاعر والكاتب الروائى الكبير أحمد المدينى عن دار «أزمنة» الأردنية. وهو جدير بالقراءة والتأمل، وأعتذر لاضطرارى إلى اجتزاء بعض فقرات منه للدلالة على سحره في هذه المساحة الصغيرة. («أن أكتب، ذا الشىء الوحيد الذي عمّر حياتى وفتنها. وقد فعلته، إذ الكتابة لم تغادرنى قط. أن تكتب. هو أن تجدك أمام فراغ هائل، بدون فكرة عن أي كتاب، أمام كتاب محتمل، أمام لا شىء».. «غرفتى ليست سريرًا، هي نافذة ما، وطاولة، وعبوات حبر أسود، لأنواع حبور سوداء نادرة، هي كرسى ما. وهى بعض عادات أجدد الصلة بها حيثما ذهبت، حيثما كنت. في الفترة التي كان لى فيها عُشاق، إذ من النادر أن أبقى بدون عُشاق. من النادر أن أطلع هؤلاء العُشاق على كتبى، لا ينبغى للنساء أن يطلعن عُشاقهن على ما يضعن من كتب. وبمجرد ما كنت أنهى فصلا أخفيه عنهم. سلوك لصيق بى».. «كنت بصدد إنهاء رواية. كتبت الخاتمة قبالة البحر. لم أكن وحيدة وقتها. كان معى رجل خلال هذه الفترة، إنما لم نكن نتكلم. فبما أنى كنت أكتب توجّب الحديث عن الكتب، وهذا ما لا يتحمله الرجال، لا يتحملون امرأة تكتب. إنه أمر لا يُطاق بالنسبة للجميع».. «كتابتى تتم كل صباح، ولكن بغير توقيت مضبوط. اللهم لوقت المطبخ، إذ أعرف متى يلزم أن أتحرك، متى يغلى الأبريق، أو لتجنب احتراق. وكذلك الشأن مع الكتب. أقسم بهذا. لم أكذب في أي كتاب، قط. ولا في حياتى كذبت. اللهم على الرجال. أبدًا لم أكذب. ويرجع السبب إلى تخويف أمى لى بحكاية الغولة التي تقتل الأطفال الكذابين».. «حين يقوم الكاتب بوظيفة المراجعة، يغدو بمثابة شرطيه الشخصى. أعنى بهذا البحث عن الشكل الحسن، أي الشكل السائد أكثر، الأشد وضوحاً والأقل هجومية. ومازالت هناك أجيال ميتة تصنع كتبًا محتشمة، بل وبين الشباب أيضًا، ممن يضعون كتبًا لطيفة، بلا قيمة حقيقية. كتب، أسميها، لتزجية الوقت، وأثناء السفر، لكنها لا تنقش في التفكير أبدًا»).

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية