لا خلاف أن نيكولاس ريفز، صاحب نظرية وجود مقبرة الملكة نفرتيتى خلف جدران مقبرة توت عنخ أمون، استطاع أن يبيع لنا الشمس والهواء، وأن يحقق لنفسه الشهرة والمال من خلال العروض التى تنهال عليه لكتابة مؤلفات ومقالات وعمل برامج تدور حول خرافة وجود قبر الملكة نفرتيتى بوادى الملوك! وإذا عدنا إلى المنطق والعلم نجد أنه من المستحيل أن تُدفن نفرتيتى فى وادى الملوك لأنها ببساطة لم تكن مجرد تابع مخلص لديانة أتون المعادية لكهنة أمون، ولكنها كانت إحدى دعائم ديانة أتون والمحرك الرئيسى لها، وبالتالى لن يسمح كهنة أمون، أصحاب السلطة والسيطرة على وادى الملوك، للملكة بأن تُدفن بالوادى، وإن فعلوا هذا فرضاً فلن يقوموا بدفن ملك مصر فى جزء من مقبرتها، فهذا يتنافى مع أصل العقيدة فى مصر القديمة، التى تضع الملك فى مكانة لا يصل إليها أحد حتى أفراد البيت الملكى أنفسهم، ومصير الملك فى العالم الآخر يختلف كل الاختلاف عن مصير باقى الناس، ومقبرته تهيئة بمناظرها وأثاثها الجنائزى للوصول إلى الأبدية، ولذلك لا يمكن قبول دفن الملك فى مقبرة زوجة أبيه التى لم تكن تؤمن بديانة أمون.
نعود إلى نيكولاس ريفز نفسه فنجد أن له تاريخا وباعا طويلا فى الادعاءات الكاذبة، منها على سبيل المثال أنه عندما عمل لوقت قصير بوادى الملوك، ضمن بعثة الأثرى الإنجليزى جيفرى مارتن، قام بالتعاون مع نفس فريق الرادار اليابانى وخرج علينا يقول إنه والرادار كشف عن وجود مقبرة مخفية أمام مقبرة توت عنخ أمون وحددها على خريطة نشرها على صفحته الشخصية على الإنترنت! بل إنه قام بعمل مخطط لهذه المقبرة بمدخلها وحجراتها! وكانت المفاجأة عندما قامت البعثة المصرية بالحفر فى هذا المكان الذى ادعى «ريفز» وجود المقبرة به، وذلك خلال عامى 2008- 2009، واتضح أن ما ظنه «ريفز» والرادار اليابانى مقبرة ما هو إلا شرخ طبيعى فى صخر الوادى!
وخلاصة الأمر فى موضوع مقبرة الملك توت عنخ أمون هى كالآتى: مات الملك توت فجأة ولم تكن له مقبرة جاهزة لدفنه بوادى الملوك ولم يكن له وريث على العرش، وكان لابد من دفن الملك وجلوس ملك على عرش مصر لكى تستتب أمور البلاد وتستقيم لأن المصريين كانوا يربطون بين وجود ملك على عرش مصر وبين، ليس فقط استقرار مصر، بل واستقرار النظام الكونى بأكمله. ولذلك أخذ آى على عاتقه مهمة دفن توت عنخ أمون وحكم مصر كملك شرعى ينتسب إلى العائلة الملكية. ولم يكن لدى آى خيار سوى تعديل مخطط مقبرته بوادى الملوك ويقوم بإغلاق كل الامتدادات بها لكى يصغر حجم المقبرة ويستطيع الانتهاء منها على عجل لكى يدفن توت عنخ أمون ويستتب له الأمر فى حكم مصر، والدليل على ذلك أن مقبرة توت عنخ أمون تثبت أن آى هو من أشرف على دفن توت باعتباره وريثه الشرعى. كذلك الشبه الكبير بين مقبرة توت عنخ أمون بوادى الملوك ومقبرة آى بالوادى القريب المعروف باسم وادى القرود.
أما عن قصة تعديل مخطط المقابر وتصغير حجمها للانتهاء منها على عجل فمعروفة فى مصر طوال التاريخ المصرى القديم. ومثال على ذلك ما عثر عليه العالم الفرنسى كريستيان لبلان بوادى الملكات بالأقصر من مقبرة بها جدار يخفى وراءه بكل براعة باقى امتداد المقبرة، وظل لبلان يُمنّى نفسه بكشف مثير وكنوز مخبأة وعندما حفر وجد ممرا لم ينته نحته فى الصخر. نصيحة لوزير الآثار الجديد الدكتور خالد العنانى بأن يعين لجنة من العلماء لدراسة هذا الملف وإدارته بشكل علمى لكى لا تفقد مصر مصداقيتها أمام العالم.