هل هناك وجه للتشابه بين ضمير الغائب وغياب الضمير؟ هل هناك علاقة تربط بينهما؟ نعم هناك علاقة واضحة بينهما فى بلادنا، خاصة فيما يتعلق بارتكاب الأخطاء والكوارث، والتى عادة ما تكون أفعالاً مبنية للمجهول والفاعل تقديره هو أو هى أو هم أو دوكهما- على رأى كاتبنا الكبير أحمد رجب- أو أى حد بس مش أنا.. هذا لأن الكوارث والأخطاء عادة ما يكون مرتكبوها مجهولين أو أشخاصا غير قادرين على الدفاع عن أنفسهم لأسباب مختلفة، تأتى الوفاة على رأس قائمتها أو عدم القدرة على الرد، وإن استطاعوا الرد فسوف يظهر ردهم فى مساحة لا تدرك رؤيتها بالعين المجردة، ولن يهتم بها أحد وسط الصخب والضجيج.
عندما يغيب الضمير تحدث الكوارث ويتم بناء فعلها للمجهول أو يتم اتهام الآخر.. وبطبيعة الحال فإن أى نتيجة طيبة يكون الفاعل دائما «أنا» ولكن هذا ليس موضوعنا اليوم.. نحن نلوم الآخرين: الحكومات السابقة، الحكومة، الواسطة والمحسوبية، الوردية اللى فاتت، المدير، الموظفين، القسمة والنصيب، المؤامرة أو أى شخص إلا أنا.. كم شخصا اعترف فى حياتنا بخطئه ومسؤوليته عن أى أمر سلبى؟ قلما، نادرا، أبدا.. إذن عندما غاب الضمير وقعت الكوارث وتنصل الجميع من المسؤولية.. لماذا؟
لأننا تربينا على هذا الأسلوب.. رضعنا الكذب، وساعدنا آباؤنا فى أن نتنصل من المسؤولية أمام المدرس والمدرسة.. ساعدونا فى اختلاق الأعذار منذ نعومة أظافرنا.. ثم تفاقم الوضع فلم نعلّم الأبناء أن تحمل المسؤولية جزء من الرجولة، جزء من الاحترام للنفس والذات.. لهذا ينتحر اليابانيون ويستقيل الأوروبيون ويتم سجن الأمريكيين الذين أخطأوا وأفسدوا.. بعضهم اعترف بخطئه والبعض لم يعترف.
غريزة البقاء تدفع أى شخص لبناء آلية للدفاع عن النفس واختلاق الأعذار.. ولكن أن يتفشى الأمر إلى هذه الدرجة بيننا يعنى أن النخوة ضاعت ويجب أن نبحث عنها.. فى صدورنا، فى تراثنا، فى ديننا، فى أى فرصة لنستعيد ما فقدناه ولا يتم بناء كل الأفعال للمجهول.. ولتكن البداية من عند أبنائنا حتى لا تتكرر المآسى التى نعيشها دون أن نعرف من تسبب فيها.
تعالوا نأخذ مثالاً بسيطاً.. سد النهضة الإثيوبى ومشكلاتنا الخاصة بنهر النيل.. سألت د. محمود أبوزيد، وزير الرى الأسبق، عن المشكلة على الهواء مباشرة عام 2008 فقال لى: لا تقلق، فقلت له: ولكنى قلق، فأكد لى أنه لا سبب يدعونى لذلك.. فهل يخرج علينا د. أبوزيد ليقول إنه كان مخطئا فى عدم قلقه.. أم أن المشكلة تفاقمت بعدها؟ ولكن تفاقمها لا يعنى أنها لم تكن موجودة أصلا.
إثيوبيا تحتفل مع بداية شهر إبريل المقبل بذكرى بدء العمل فى سد النهضة، ما يعنى أن السد بدأ العمل فيه فى إبريل 2011، أى بعد مرور شهرين من اندلاع ثورة 25 يناير.. فهل يخرج علينا أى شخص ممن كانوا نجوما لامعة فى تلك الفترة ليقول إنه شارك فى المسؤولية عندما انكفأ الجميع على مشكلات الداخل فتفرغت إثيوبيا لبناء سدها.
وزراء الرى المتتاليون.. هل يعترف أحدهم بالمسؤولية وكذلك الأجهزة السيادية طوال تلك الفترة؟ بالطبع لن يحدث ذلك وغالبا ما سوف أكون هدفا للهجوم من كل السابقين لأنهم لم يفعلوها، وسيتم استخدام لفظ ضاع حقنا فى النيل أو ضيع حقنا فى النيل، بدلا من أضعت أو أضعنا حقنا فى النيل.. ولو سألت: لماذا تم بناء الفعل للمجهول؟ فسأجيبك: لأن الضمير ضاع فوجب البحث عن فاعل غير الفاعل، ومع نشر المقال سيتحول الفعل إلى فعل ماض وهو تخطى، والمفعول به حدوده والفاعل.. أسامة كمال.