x

جمال الجمل البحر طحينة «بيان الحكومة 1» جمال الجمل الأحد 27-03-2016 23:22


(1)

إنها لحظة تاريخية فعلاً.. تلك التي وقف فيها رئيس الوزراء المكلف شريف إسماعيل تحت قبة البرلمان، ليطرح أمام نواب الشعب، برنامج عمل الحكومة، لمدة عامين ونصف ينتهي بانتهاء فترة حكم الرئيس عبدالفتاح السيسي، وأقول تاريخية، لأن البيان الذي ألقاه إسماعيل كان أول برنامج رسمي معلن تتعهد فيه السلطة بمهام محددة، ويقر فيه رئيس الوزراء بأن هذا البرنامج «جزء من عقد اجتماعي وسياسي شامل (..) تقف فيه السلطة التنفيذية، أمام نواب الشعب مساءلين ومسؤولين، عما أوردناه من وعود، وما صغناه من أهداف، وما التزمنا به من برامج عمل»، وبعيدا عن تقييم اللغة الرومانسية الحالمة، والوعود المغرية التي قدمها رئيس الوزراء، فقد أعجبني البيان، ليس بسبب ما ورد فيه من حديث متهافت عن التحديات، وتبشير بإنجازات أقل من عادية، وتوزيع الكثير من الوعود المجانية، ولكن أكثر ما أعجبني أن هذا أول عقد تتورط فيه السلطة االتنفيذية مع شعب مصمم على حساب المسؤولين، وبالتالي فإن «اللحظة التاريخية» بالنسبة لي هي لحظة دخول السلطة كلها (وليس الحكومة وحدها) في فخ صنعته بأيديها، وسوف أتناول في عدة نقاط بعض الملامح العامة للبيان، لأن التناول المتعمق يحتاج لوقفة متأنية ومتخصصة في كل مجال من المجالات التي شملتها المحاور السبعة للبيان.
(2)

ملاحظتي الأولى تتعلق بعدم إذاعة البيان على الهواء للشعب، وهو الطرف الأصيل في العقد، وهو المعني أساساً بما يتعهد به رئيس الحكومة، وتقتضي الأمانة تسجيل هذا الخطأ على البرلمان وليس على الحكومة، بل إنني أشيد بأداء الحكومة من حيث التحضير، والاستعداد، والاهتمام بالحضور المشرف أمام نواب الشعب، كذلك الاهتمام بشكل البيان وصياغته الاحترافية، وتدقيقه النحوي، ومراجعته لغوياً بشكل معقول، فالأخطاء بسيطة، ولا تتجاوز عدد أصابع اليد في 78 صفحة، كما أنه يتضمن موقفاً منحازاً بوضوح لثورتي يناير ويونيو، كما يتضمن ديباجة بلاغية محترمة تتحدث عن «اللحظة التاريخية» التي تحدثت عنها في البداية، باعتبارها «لحظة تجسد تكامل العمل السياسي، بين دستور ينظم ويضبط، ورئيس يوجه ويتابع، وبرلمان يشرع ويراقب، وحكومة تنفذ وتتحمل المسؤولية، وقضاء يضمن الحقوق وينصف المظلوم، وجيش يردع ويبنى، وشرطة تنفذ القانون، ومجتمع أهلي ومدنى يساند ويدعم، وإعلام حر ومنضبط، وشعب ذى سيادة يتحول يوم الانتخاب من محكوم إلى حاكم، يأمر ويقرر».
(3)

الفقرة البلاغية السابقة، وردت في مقدمة البيان، وهي فقرة تشبه الحلم الرومانسي الذي لا يختلف عليه أحد، وكم أتمنى لو أخلصت الحكومة النوايا، وسعت بقدر إمكانياتها لتطبيق ما تستطيع من هذه الثنائيات والثلاثيات المثالية الرائعة، وعن نفسي لا أتحفظ في هذه الفقرة على شيء إلا العبارة الأخيرة التي تقصر سلطات الشعب على يوم الانتخاب وفقط، لأن الشعب طوال الوقت، وبحكم الدستور هو مصدر السلطات وصاحب الأمر والفصل.
(4)

البيان احتشد بالآمال العظيمة، والتعهدات القاطعة، حتى جعلني أحيانا أقول في سري «مش للدرجة دي يا باشمهندس.. خليها علينا شوية»، خاصة عندما تحدث بشكل حاسم عن عدم التهاون في حصة مصر التاريخية من مياه النيل، فالصياغة تصل إلى حد اللجوء للحرب لأن الحكومة تتعهد أمام الشعب أنها ستحافظ بكل السبل على كل قطرة من حقنا في مياه النيل، كما أن رئيس الوزراء أعلن بكل وضوح وحسم ما يجعلنا نقف وراءه بكل قوة إذا ثبت صدقه فيما أعلنه، حيث قال: لن نتهاون مع الفساد.. سنحمي الأمن القومي.. سنهتم بالتعليم والصحة والثقافة والشباب والـ.. سنعالج البيروقراطية- سنعيد بناء الجهاز الإداري للدولة على أساس الكفاءة والنزاهة والفاعلية.. ســ، ســــ، ســـ....... لكنها أمنيات حلوة نحب أن نصدقها، ربما تتعلم الحكومة أن تتحرك في هذه المسارات!
(5)

الوعود على طريقة ســـ..نبني، ســ..نحارب، ســـ..نعالج إلخ.. تعني أن الجداول الزمنية غائبة عن معظم البرنامج، وعندما تحضر فإنها لا تكاد تكون واضحة ومقنعة إلا في توقيتات الانتهاء من مراحل مترو الأنفاق، فالموعد الذي أعلنه البيان لانتخابات المحليات يتأخر إلى عام 2017، ما يثير أسئلة عن كيفية ضبط الإدارة اليومية للحياة، وطريقة تنفيذ وضبط سياسات الحكومة في الشارع، وحتى لا يطول هذا المقال أكثر من اللازم سأؤجل ملاحظاتي التفصيلية إلى مقالات لاحقة، وأكتفي اليوم بملاحظة واحدة، ولا أعرف هل كان رئيس الوزراء يقصدها، أم أنها كانت خطأ بريئا في الصياغة، يكشف عن النية الحقيقية للحكومة، ولكن قبل أن أختتم مقالي بهذه الملاحظة أحب أن أخفف عليكم بنكتة لا تبتعد كثيراً عن ملاحظتى الأخيرة.
(6)

قبل أن يلقي رئيس الحكومة بيانه قال لنواب الشعب: وأنا في طريقي إليكم توقفت أمام بائع جوافة، وانتويت أن أشتري للشعب 6 كيلو، فصفق رئيس المجلس بحرارة، وهو يقول لرئيس الحكومة: كفاية يا باشمهندس 2 كيلو، فيرد رئيس الحكومة بعظمة وكرم: لأ مش كفاية يا دكتور.. الشعب لازم ياكل وينبسط.!
هذه هي النكتة، أما الملاحظة، فإن المهندس شريف إسماعيل أسرف في الأحلام والوعود الواردة في البيان ثم قال بالنص: «لقد آلينا على أنفسنا أن نعرض على مجلسكم ما «يجب» أن يتحقق، وليس «ما يمكن أن يتحقق»..!!!!
(7)

هل تعني هذه العبارة الملتبسة أن البيان يعرض «ما يجب»، بصرف النظر عما إذا كان يمكن للحكومة تحقيقه أم لا؟ وهل تعني هذه العبارة أيضاً أن الحكومة عرض علينا مجرد أمنيات وليست سياسات ممكنة التحقق؟!
(8)

شعار البيان منقول من حملة الرئيس الأمريكي باراك أوباما «نعم نستطيع»، فهل حكومة عاجزة عن إبداع عنوان تستطيع أن تحقق ولو 30% مما تعهدت به في بيانها الفضفاض؟
أتمنى أن أسمع المهندس شريف وهو يقول بلكنة خواجاتي yes we can..
يا حكومة (بجد بجد) آر يو كان؟!

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية