لما قالوا إننا نعيش في عصر الاتصالات، لم يكن المقصود أن الاتصال اختراع جديد، فالتاريخ الإنساني يقوم على فكرة التعارف والتحاور والاتصال، ولعلكم قرأتم أو سمعتم بعض التفسيرات التي تتحدث عن سبب تسمية جبل عرفة بهذا الاسم، لأنه الموقع الذي تعارف (التقى) فيه آدم وحواء بعد سنوات التيه التي أعقبت خروجهما من الجنة. الاتصال قديم إذن، لكنه اكتسب في هذا العصر قوة هائلة تفوقت على خيال الأجداد في البنورة المسحورة، وربما قريبا في بساط الريح، فأنت الآن قد تتحدث مع شخص في اليابان في الوقت الذي تشاهد فيه مباراة كرة قد في إسبانيا، وتتجول بطرف إصبعك على شاشة صغيرة لتتعرف على أخبار العالم كله من مؤخرة كيم كارديشيان ووقاحة دونالد ترامب إلى عشوائيات الربيع العربي وتفجيرات بلجيكا.
(2)
من الواضح للجميع أن ثورة الاتصالات أثمرت في كل اتجاه، وغيرت الكثير من معالم الزمن القديم، ومن طبيعة العلاقات بين البشر، ومن مفاهيم الزمان وحدود المكان، وأسست لعصر الجماهير وقوة الرأي العام، وفي رأيي أن أهم ظاهرة تبلورت واكتسحت العالم جراء هذه الثورة هي الظاهرة التفاعلية، لقد صار التفاعل بمثابة دين جديد ينشر رسالاته بسرعة مذهلة ويجتذب أنصارا من كل صوب، بحيث التقت الفنون، وامتزجت الآداب مع العلوم، وتواضعت الفلسفات والمكتبات حتى صارت مثل قطعة الشيكولاتة أو علبة العصير، بل ويمكن طلبها (delivery) بمجرد ضغطة على زر الماوس، كما أن التفاعل نجح بعد سنوات قليلة في توسيع مفهوم التعارف، وتغيير مفهم الصداقة، وتحطيم حواجز اللغات والأماكن والرقابة السياسية والعائلية، والأهم أنه هدم السور بين المحظور والمباح، وفتح مساحات جديدة ولا نهائية للتعبير، ووضع العالم أمام أعيننا على مربع صغير من الضوء الناعم.
(3)
هذا المدخل، ليس قصيدة مدح لثورة الاتصالات، وعظمة التكنولوجيا الحديثة، لكنه اعتراف بحقائق الأمورن ومنها أن الكاتب لم يعد نبيا يملك وحده كتاب الوصايا، ويفيض بمعرفته على جمهور متلهف على تلقي الخبرة والحكمة من الجهابذة سكان الأبراج العاجية، وانطلاقا من ادراكي لمفهوم التفاعل قررت أن أحصل على نصيب أكبر من هذه الثروة وأتفاعل معكم، سأشاركم كتابة مقال كل أسبوع، أو تشاركونني لا فرق، فالتفاعل لا يعترف كثيرا بخرافة الترتيب القديمة، ولا بالجدال التناحري بين المتصارعين حتى الموت على امتلاك الحقيقة، إنه يؤمن أكثر بالمشاركة، والعصف الذهني، والتكامل، وتطوير الفكر، وتخفيف الأعباء، وتحسين بيئات العمل والارتقاء بما يسمى الآن «جودة الحياة».
(4)
لقد قلت كثيرا، وما زلت أقول أن أهم نتيجة تحققت لثورة 25 يناير، هي ولادة التفاعل على أرض مصر في ميدان التحرير، حيث أدرك الملايين في أعلى درجات الوعي وانفجار الإعلام الكوني أننا جزء من العالم الواسع، وأن أحدا لا يستطيع أن يعيش بمفرده، ولا أن يفكر وحده، ويخطط وحده، وينفذ وحده، وهذ النتيجة استكملها الجمهور (بالوعي وبالفطرة معا) على مواقع التواصل الاجتماعي، مؤكدا أن أي شخص مهما كان منصبه أو سلطته وأي قوة مهما كان بطشها أو نوعها لن تستطيع أن تلغي هذا المكتسب أو تعود بالزمن إلى الوراء.. لذلك أضع حدا لمقولاتي الفردية وأبحث عن مشاركتكم والتعرف على أساليبكم وأفكاركم، خاصة وأن وسائل التواصل كشفت لي عن مواهب رائعة من غيرالمحترفين، وعن أساليب تعبير مبتكرة، وأفكار أكثر التصاقا بالحياة، وأوسع من المسافات الضيقة التي يدور فيها أهل الحرفة مهما كان إخلاصهم وتمكنهم.
فتعالوا نكتب مقالنا المشترك، وسوف أختار كل أسبوع كاتبا منكم يشاركني الفكرة والصياغة والتوقيع على المقال
بانتظار مقالاتكم على الإيميل التالي: [email protected]