x

أيمن الجندي هل يوجد نسق لتقلبات الحياة؟ أيمن الجندي الإثنين 28-03-2016 21:42


الحياة دورات متعاقبة من النعم والمحن، وقد حار الحكماء فى تفسير تقلباتها. لماذا تُقبل الدنيا على البعض وتدبر عن البعض دون أسباب واضحة! ولماذا لم يستطع أحد أن يضع نسقا أو مخططا (scheme) يمكن عن طريقه التنبؤ بما هو قادم!

.....................

الإنسان البدائى وقف فى مواجهة الكون المرهب، وما يأتى به من صروف الشدائد والمحن، كزلازل الأرض وأعاصير الرياح. فبدأ تفسيره الأسطورى للقوى الغامضة، فصار يقدم لها القرابين على أمل استرضائها.

ثم خطا الإنسان خطوات واسعة نحو فهم القوانين المادية لقوى الكون فأدرك أن الأعاصير وفوران البحر والزلازل والبراكين كلها تخضع لقوانين الفيزياء الصارمة. وبذلك أصبح الفهم الأسطورى مجرد هراء، وبقى أن نفهم أنفسنا.

................

فهمنا الكون ولم نفهم أنفسنا. بقيت تقلبات الحياة بحاجة إلى وضع (نسق) خاص بها. هنا بدأ الحكماء يحاولون استقطار الحكمة لمحاولة فهم النسق الذى تسير بإزائه هذه الأقدار المتغيرة. وهنا جاء دور الدين. فطرح تفسيرات بعضها بسيط ويسير الفهم على النحو التالى:

«هى ابتلاءات تجرى بقدر الله وعلمه، وإن لم يفهمها المبُتلى، وكل ما هو مطلوب منه الصبر ومحاولة تحرى الصواب. والمؤمن قد يكون أكثر تعرضا للمحن من غيره، لأن الله يريد أن يطهره من الذنوب. والابتلاءات لا تنفى وجود النعم الأخرى. فمن وقع عليه من ربه بلاء فعليه الصبر ومقاربة الصواب. والجزاء إنما يكون فى الآخرة (إنما يُوفّى الصابرون أجرهم بغير حساب).

هذا هو النسق البسيط، الذى يفهمه الجميع بكل سهولة لتفسير الابتلاءات.

...............

لكن هناك نسقا آخر أكثر تركيبا وتعقيدا تلمح ظلا منه فى بعض الآيات.

تأمل معى هذه الآية فإن معناها عجيب فعلا:

«ولقد أرسلنا إلى أمم من قبلك فأخذناهم بالبأساء والضراء لعلهم يتضرعون. فلولا إذ جاءهم بأسنا تضرعوا ولكن قست قلوبهم وزين لهم الشيطان ما كانوا يعملون. فلما نسوا ما ذُكّروا به فتحنا عليهم أبواب كل شىء حتى إذا فرحوا بما أوتوا أخذناهم بغتة فإذا هم مبلسون. فقُطع دابر القوم الذين ظلموا والحمد لله رب العالمين».

المسألة إذا مركبة وليست بالبساطة التى يتصورها البعض، فالفعل الواحد (الكفر والإصرار على المعصية) يجلب نوعين متباينين من الأقدار (العقوبة ثم الرخاء)!

العقوبة فى البدء على أمل أن يراجعوا أنفسهم ويعودوا إلى طريق الحق. فإذا أصروا على ما هم فيه وقست قلوبهم يكون النوع الثانى من الأقدار (الرخاء). والرخاء هنا ليس مكافأة. وإنما ليكون الألم أشد حين يأخذهم الله القاهر فوق عباده فى جميع أحوالهم.

............

وتأمل أيضا هذه الآية العجيبة: «ولولا أن يكون الناس أمة واحدة لجعلنا لمن يكفر بالرحمن لبيوتهم سقفا من فضة ومعارج عليها يظهرون. ولبيوتهم أبوابا وسررا عليها يتكئون. وزخرفا وإن كل ذلك لمّا متاع الحياة الدنيا والآخرة عند ربك للمتقين».

يا له من أمر مدهش! إلى هذا الحد بلغ هوان الدنيا على الله. الدنيا التى تقطعت من أجلها قلوبنا. فليأخذ الكافر بيوت الفضة، وسائر الزخرف الدنيوى، لكن هذا كله لا شىء بالمقارنة بالآخرة. ورفق الله بضعف عباده، الذين قد يؤثرون الكفر فى هذه الحالة، هو الذى جعله لا يفعل!

....................

المسائل إذا مركبة كما ترون، وتسير على أنساق مختلفة معقدة التركيب. قد نفهم بعضها، وقد يتأخر بنا الفهم إلى يوم الحساب.

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية