x

حسن حنفي ألقاب التعظيم .. فى الموروث الثقافى والحياة اليومية (2-٢) حسن حنفي الخميس 24-03-2016 21:28


اشتدت المحافظة بعد انهيار المشروعين الكبيرين للتحديث، المشروع الليبرالى فى النصف الأول من القرن العشرين بقيام الثورات العربية فى منتصفه، والمشروع القومى الاشتراكى الوحدوى فى النصف الثانى من القرن العشرين بهزيمة يونيو – حزيران 1967 ثم حرب الخليج الأولى فى 1980 وحرب الخليج الثانية فى أغسطس 1990 ثم فى الغزو الأمريكى للعراق فى مارس 2003.

فصعب التعامل مع العصر نظرا لهذا الثقل الكبير للموروث الثقافى فى جانبه المحافظ على الوعى الثقافى العربى. وهو حاضر حضور البطالة والفساد والقهر والفقر إن لم يكن أكثر حضورا لأنه هو الذى يحدد تصورات العالم، ويضع معايير السلوك. مازال يؤثر فى الحاكم والمحكوم. واشتدت مظاهر المحافظة فى الحياة اليومية فى عادات اللباس والطعام والعلاقات الاجتماعية. والسؤال الآن هو: هل يمكن البداية من جديد من أجل إرساء قواعد نهضة عربية ثانية وذلك بإعادة بناء الموروث الثقافى العربى القديم ونقله من المحافظة إلى التحرر، ومن التقليد إلى التجديد؟

يمكن ذلك. والمثل هو مدى انتشار ألقاب التعظيم فى موروثنا الثقافى القديم وفى حياتنا المعاصرة. فقد ورثنا ألقابا دينية تقوم على التعظيم والتفخيم والإجلال إلى حد التقديس والتأليه مثل: «شيخ الإسلام»، والإسلام كما نعلم ليس له شيخ ولا رجال دين. «حجة الإسلام»، والإسلام ليس له حجة واحدة بل تتعدد فيه المذاهب والفرق والطوائف. «فخر الإسلام»، وكل العلماء والمجاهدين بل وعامة المسلمين هم فخر الإسلام. «صدر الإسلام»، والإسلام ليس له صدر أو عجز. والشهيد هو صدر الإسلام الذى يتلقى الرصاص بصدره دفاعا عن الأمة. «سيف الإسلام»، وللإسلام سيوف متعددة وليس سيفا واحدا فى أيدى المجاهدين.

وقد تأتى الألقاب مرتبطة بالدين مثل «فخر الدين» والدين ليس له فخر واحد. «نصير الدين» والدين ليس له نصير واحد. «ولى الدين» والدين ليس له ولى واحد. وقد يرتبط اللقب بالشريعة مثل «صدر الشريعة»، والشريعة وضعية لها مقاصد تقوم على المصالح العامة فى صدور عدة وليست فى صدر واحد. وتتشعب الألقاب، وتجمع بين لقبين مثل «الشيخ الرئيس» جامعا بين السلطتين الدينية والسياسية. «أمير المؤمنين» جمعا بين الإمارة السياسية والإيمان الدينى، «خليفة المسلمين» استئنافا لخليفة رسول الله، والقائم على شؤونهم فى دينهم ودنياهم. وقد يتحول اللقب إلى صورة فنية مثل «شمس الأئمة»، «سيف الله».

وقد يكون حقيقة لا مجازا مثل «قاضى القضاة»، «إمام الحرمين» للدلالة على السلطة العلمية أو «خادم الحرمين الشريفين» للدلالة على السلطة الدينية والسياسية. وتزدهر الألقاب أكثر عند الشيعة مثل «الإمام»، «الهادى»، «المهدى»، «روح الله»، «آية الله» إلى آخر ما هو معروف فى ألقاب الشيعة. ومعظمها دينية علمية مرجعية. فى حين أنها عند السنة معظمها دينية سياسية لأنهم أهل العلم والسلطة.

وقد انعكس ذلك فى حياة العرب اليومية، الدينية والسياسية فذاعت الألقاب، وانتشرت عبارات التفخيم والتعظيم حتى لا يكاد الإنسان يعرف الفرق بين «صاحب السعادة» و«صاحب النيافة» و«صاحب السيادة» و«صاحب المعالى» و«صاحب العظمة» و«صاحب الفخامة» و«صاحب الجلالة». وكلها مستعارة من صفات الله. فالسيادة والتعالى والجلالة والعظمة كلها لله، والسعادة للبشر أجمعين.

وأخذ القادة ألقابا مشابهة تتراوح ما بين الرئيس والزعيم والقائد والشيخ والملك والأمير والفريق. وسمى أحد القادة نفسه بتسعة وتسعين اسما من بينها المجاهد والمناضل والغيور والقومى والعروبى والأبى والملهم، والبطل حتى ولو تكررت الأسماء والمعنى واحد. فكلما زادت الألقاب زادت الهيبة مثل «الركن المهيب». ومن الألقاب ما أتى من العصر التركى المملوكى مثل «الأغا» و«الباشا» و«البيك» و«الأفندى» و«السلطان» و«الوالى».

صحيح أن من القرارات الأولى للثورة العربية إلغاء الألقاب المدنية والإبقاء فقط على الألقاب العسكرية التركية أولا مثل «يوزباشى» و«بكباشى» ثم العربية ثانيا، «الملازم» و«المقدم» و«النقيب» و«اللواء» و«المشير» و«الفريق». ومع ذلك ظلت الألقاب فى حياتنا اليومية «سعادة الباشا» و«سعادة البيك» و«عظمتك» و«سيادتك» و«حضرتك».

مازالت عقلية «سى السيد» هى التى تحدد العلاقات بين الناس. وهو ما يجعل نظام الاستبداد الثقافى قائما لا يتزحزح، راسخا لا يهتز. ثم نشكو بعد ذلك من أزمة الحرية والديمقراطية فى حياتنا السياسية. وأصلها فى ألقاب التعظيم والتفخيم والإجلال والتقديس والتأليه فى موروثنا الثقافى الممتد فى ثقافتنا الوطنية التى مازالت هى ركيزة ثقافتنا السياسية. فهل يمكن لحل الأزمة البداية بنزع جذور التسلط والقهر من وجداننا العربى المعاصر؟ إن للغة سحرها، وإن من البيان لسحراً.

ومازال العرب شعراء. والشاعر حر. والشعر يعلم العرب كيف يكونون أحراراً. والانتفاضة فى اللغة، والألفاظ كالحجارة. إن العرب ليسوا ظاهرة صوتية ولم يضلوا الطريق كما قيل فى الاستشراق المعاصر. العرب لغة. والعروبة هى اللسان. واللغة منزل الوجود كما قيل فى الفلسفة المعاصرة. فمن تسكنه اللغة يسكن الوجود.

إن تفخيم الناس بعضهم البعض، رومانية وكسروية. حذر القرآن منه (اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أرباباً من دون الله). كما حذر الرسول من تعظيمه «لا تطرونى كما أطرت النصارى عيسى بن مريم» وإن البداية بالقضاء على جذور التسلط والقهر فى ثقافتنا المعاصرة إنما يبدأ بالقضاء على ألفاظ الاستعباد.

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية