x

حسن حنفي ألقاب التعظيم .. فى الموروث الثقافى والحياة اليومية (١-٢) حسن حنفي الأربعاء 23-03-2016 21:30


فى الموروث الثقافى والحياة اليومية انشغل العرب فى حياتهم المعاصرة بالاستقلال وهو أمر طبيعى حتى يتحرر العرب من الاستعمار إثر انهيار الخلافة بعد الحرب العالمية الأولى واستبدال سيد بسيد، السيد الغربى بالسيد التركى، ونجحوا فى ذلك إلى حد كبير. فاستقلت الأمصار، ونشأت الدولة الحديثة. وبلغت ذروة حركة التحرر الوطنى فى الخمسينيات والستينيات. امتدت بعدها إلى القارات الثلاث، أفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية. وأصبحت الناصرية أكبر تجسيد لها. ومازال العرب يحنون إليها كلما اشتدت الأزمات، وعظم الكرب، وعاد الاستعمار المباشر إليها بالاحتلال الصهيونى المباشر لفلسطين، وبالغزو العسكرى الأمريكى المباشر للعراق.

كما انشغل العرب ببناء الدولة الحديثة بعد الاستقلال، التخطيط والتنمية والتصنيع والتعليم وبناء المؤسسات الدستورية فى حضور زعامات تاريخية، مما أعطى الأولوية للزعيم على المؤسسة. وحقق العرب أكبر تغيير فى بنية المجتمعات العربية، فالإصلاح الزراعى والقضاء على الإقطاع ومجتمع النصف فى المائة الذى كانت تسيطر على أكثر من 95% من ثروات البلاد. وربما مازال الأمر كذلك فى الدول الريعية. فلما أتت هزيمة يونيو– حزيران 1967 انهار حلم الدولة الحديثة فى الحرية والاشتراكية والوحدة. وبدأ التحول عن مكتسباتها الوطنية والقومية حتى تحولت إلى دول تقوم نظمها على القهر والاستبداد فى الداخل، والتبعية للقوى الكبرى فى الخارج، والقطرية بعد أن تم غزو العرب لبعضهم البعض وطعنت الثورة الإسلامية فى إيران من الخلف، وتركت الانتفاضة الفلسطينية الأولى والثانية، انتفاضة الحجارة وانتفاضة السلاح، انتفاضة الأقصى وانتفاضة الاستقلال- بمفردها دون ظهير.

ومع ذلك لم يلتفت العرب إلى إعادة بناء موروثهم الثقافى الذى استمر محافظا منذ ألف عام، منذ أن قضى الغزالى على العلوم العقلية فى القرن الخامس الهجرى، وكتب للسلطان أيديولوجية السلطة فى «الاقتصاد فى الاعتقاد» وقد أعانه السلطان، نظام الملك، على ذلك بإنشاء المدرسة النظامية له. فلا فرق بين صفات الله وصفات السلطان. كلاهما عالم قادر حى، سميع بصير متكلم مريد. الله بذاته، والسلطان من خلال أجهزة أمنه ومخابراته. وكتب للناس «إحياء علوم الدين» من أجل ترسيخ أيديولوجية الطاعة والتى تقوم على الصبر والتوكل والرضا والقناعة والخوف والخشية وهى قيم سلبية تجعل الناس أقرب إلى الاستسلام منهم إلى الثورة والغضب والرفض والتمرد والاعتراض.

حاول العرب ذلك مرتين. الأولى فى فجر النهضة العربية فى القرن التاسع عشر بتياراتها الثلاثة، الليبرالى عند الطهطاوى وخير الدين التونسى، والإصلاحى عند الأفغانى ومحمد عبده، والعلمى العلمانى عند شبلى شميل وفرح أنطون. كانت محاولات للنخبة من أجل إثارة الأذهان والعقول وإحداث اليقظة الضرورية للدخول فى عصر الحداثة. وكان الانبهار بالنموذج الغربى عاما وسائدا، التنوير عند روسو وفولتير ومونتسكيو عند الطهطاوى، ولوثر فى الغرب والميكادو فى الشرق عند الأفغانى، ودارون وسبنسر عند شبلى شميل وفرح أنطون. لم يستطع الوافد الغربى أن يحل محل الموروث القديم الذى ظل محافظا فى مجمله، بالرغم من محاولات الأفغانى إعادة تفسير القضاء والقدر باعتباره حرية داخلية وصياغة الإسلام كثورة فى مواجهة الاستبداد فى الداخل والاستعمار فى الخارج، ومحاولة محمد عبده الانتقال من الأشعرية إلى الاعتزال، ومن النقل إلى العقل، ومن الكسب إلى الاختيار الحر. ثم أدت الكبوات المستمرة للنهضة العربية إلى ضياع هذا المكتسب النخبوى القائم على الوافد الغربى. وتحولت الليبرالية التى قامت على فلسفة التنوير تدريجيا إلى تغريب صريح عند أحمد لطفى السيد وطه حسين. كما انقلب الإصلاح الدينى تدريجيا إلى سلفية بعد فشل الثورة العرابية عند رشيد رضا والجماعات الإسلامية المعاصرة، وتحول العلم والعلمانية إلى خرافة وحاكمية، إعجاز علمى فى القرآن، وحاكمية الله دون حاكمية البشر.

لم يحاول المثقفون الوطنيون العرب تثوير الثقافة العربية، والبداية فى نهضة عربية ثانية بالمفكرين الأحرار كما بدأت الثورات العربية بالضباط الأحرار. حاول بعض المثقفين العرب ذلك بعد هزيمة حزيران فيما يسمى بالمشاريع العربية المعاصرة فى مصر والمغرب والشام خاصة قبل أن يلحق الخليج، ولكنها أتت أيضا نخبوية من الطبقة المتوسطة. لم تؤثر فى الناس. ولم تتحول إلى برامج ثقافية واجتماعية وسياسية شعبية لأنها جزء من المعارضة العربية التى تحاصر بعضها نظم الحكم أو تستأنس البعض الآخر.

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية