x

حسن حنفي العشوائيات القديمة والتجمعات الجديدة حسن حنفي الأربعاء 02-03-2016 21:52


ثنائية جديدة في حياتنا تصل إلى حد التناقض بين العشوائيات القديمة والتى يأخذها أي نظام حكم موضوعا للخطاب السياسى لبيان اهتمامه بالمحتاجين والمحرومين من طبقات الشعب وما يراه الناس حول مدنهم في عدة أحزمة سكنية في شكل مدن أو مستوطنات جديدة وكأنها قائمة للدفاع، قصيرة، نوافذ مربعة صغيرة لا تدعى بطرازها الإسلامى أو بسكانها العرب. تعبر عن بنية المجتمع الجديد من فقر وغنى، ورجال أعمال وعمال. ترث مدن العمال التي بنيت وسط المدن في الستينيات في العهد الاشتراكى. بينها مساحات خضراء أكلتها الدواجن، ويلعب فيها الأطفال. وفى جوانبها مقالب للقمامة. فالمساكن العمالية تعكس المستوى الاجتماعى لسكانها مثل العشوائيات القديمة أو التجمعات الجديدة.

أما التجمعات الجديدة فمساحات خضراء بينها فيلّات خاصة وحمامات سباحة أو على أطرافها أبراج عالية للتمتع بمنظر السماء والأرض في آن واحد. هواء نقى من نوافذها في مقابل هواء أرضى للعشوائيات يخرج من أفواه الصرف الصحى. تُضاف إليها أحيانا مطارات خاصة للمروحيات الهوائية التي تجنب رجل الأعمال زحام المطارات القديمة ومخاطرها والوقت الضائع في الذهاب إليها والعودة منها.

وليست للعشوائيات القديمة أو التجمعات الجديدة أماكن محددة في القاهرة وباقى المدن. فقد بدأت حول المدينة القديمة، الفسطاط، تكوّن أطرافا للقلب. ولما اتسعت المدينة أحاطت بها تجمعات جديدة للطبقات الحكومية الجديدة. ولما اتسع نشاط الطبقة الوسطى خرجت من العشوائيات دون أن تكون تجمعات جديدة منفصلة. ثم نشأ هامش آخر من العشوائيات حول التجمعات الجديدة لسكن فقراء الطبقة الوسطى، وهى الطبقة التي يشار إليها الآن قبل أن ينشأ آخر حزام من المدن الجديدة. وهى الطرق الدائرية المتوازية الآن لتجنب الشوارع الجانبية. تتسع العشوائيات وتعلو الأبراج طبقا لمستوى الدخل. ولا اتصال بينها. الاتصال بين العشوائيات عرضى، وفى الأبراج طولى. في العشوائيات أفقى، وفى التجمعات الجديدة رأسى. فيشتد التناقض بين القديم والجديد، والنزوح من الأول إلى الثانى. ويتمثل الانتقال الطبقى في الانتقال السكانى من المناطق القديمة إلى المدن الجديدة. وفيها تم التعدى على أراضى الدولة طالما أن قاطنى هذه المدن من رجال الأعمال ورجال الحكم معا ورجال القضاء، تنضم إليهم السلطة الرابعة، سلطة الإعلام.

وفى العشوائيات القديمة تنشأ تجارة المخدرات واستهلاكها. وتنتشر البطالة. وينتشر الجنس الحر استهلاكا وتجارة. كما ينتشر العنف والجريمة. وهنا تنبع الحركات الإسلامية كمخلّص من هذا الوضع. ويظهر الإسلام كمخلص. فالحاكمية لله بدلا من حاكمية البشر. وفى المقابل، في المجتمعات الجديدة تنتشر الخدمات الحديثة، القطارات الكهربائية أو تحت الأرض تجنبا للعشوائيات القديمة وللوصول إلى مراكز الأعمال. بل إن العاصمة كلها تنتقل خارج المناطق الاستيطانية القديمة تسهيلا للأعمال وتوزيع الأراضى وإدخال الخدمات العامة من صرف صحى ومياه شرب وكهرباء وغاز مع دفع ما يلزم من رشاوى لتسهيل الإجراءات وإسراع التنفيذ. وما تم منها حتى الآن يوحى بنظام هندسى في تخطيط المدن، ومساحات خضراء بين المنازل، وطرقات نظيفة مع مسحة من الجمال غابت عن المدن القديمة باستثناء المناطق الأثرية. وهى مناطق تخلو من الضوضاء، سكنية صرفة بعد أن بعدت المناطق الحرفية خارجها. وكأننا نعيش في عالمين، في الدنيا والآخرة، في الضوضاء وفى الهدوء الأبدى. وما على الفقير قاطن العشوائيات إلا الدعاء والانتظار.

فإذا بدأ الوعى الاجتماعى ينمو وبأن كلا التجمعين ينتميان إلى مجتمع واحد خفت حدة هذا التقابل بين العشوائيات القديمة والتجمعات الجديدة بإنشاء تجمعات سكنية على حواف الطرق الدائرية، مجرد علب سكنية تنقصها الخدمات العامة، مجرد مناطق للإيواء والاحتماء من الحر الشديد والبرد القارص. والدفع للدولة بالتقسيط. والنتيجة أن لا أحد يقطن فيها لأنها غير مجهزة، وأن العشوائيات في هذه الحالة أفضل بالرغم من نقص خدماتها. فالحلول الوسطى بين العشوائيات القديمة والتجمعات الجديدة لم تعد تجدى. ولا حل إلا الحلول الجذرية بتدخل الدولة ليس بالكلام ولا بالوعود بل بالأفعال في مشروع قومى. فقد أصبحت العشوائيات عارا كبيرا لا يمكن السكوت عليه. ويتم ذلك تدريجيا، واحدة تلو الأخرى. فيتم نقل قاطنى واحدة في سكن مؤقت مثل هذه المربعات على حدود الطرق الدائرية. ثم يتم هدم العشش بها وتسوية الأرض، وإرساء قواعد لأحياء جديدة منظمة كما هو الحال في التجمعات الجديدة. وهى أحياء أو مدن متكاملة طبقا لعلم تخطيط المدن من أول الصرف الصحى ومياه الشرب والكهرباء والغاز وأماكن الترفيه والحدائق العامة إلى آخر هذه الخدمات. ويأتى التمويل من تحصيل الضرائب على التجمعات الجديدة. ويُحفر على لوحة على مدخل التجمع الجديد أسماء المساهمين فيه. ويتكرر ذلك في باقى عشوائيات القاهرة الكبرى حتى تختفى من حياتها وتصبح جزءا من الذاكرة الوطنية.

هذا هو الطريق للقضاء على هذه التناقضات مثل العشوائيات والتجمعات بالقضاء عليها على سطح الأرض، ولا يكفى الكلام والخطابة والتعبير عن النوايا الطيبة، كما كان يحدث في القرن الماضى وإلا فالثورة قادمة. يخنق حزام العشوائيات التجمعات الجديدة فتهرب هذه المستوطنات. فالأقلية لا تستطيع أن تصمد في مواجهة الأغلبية. وحركة الجماهير أحيانا أقوى من طلقات الرصاص. وقد تعلمت الجماهير الثورية منذ يناير 2011 أن الثورة ممكنة وقد تكون قادمة. وقد تعلمت هذه المرة من تجربتها السابقة، أن يكون لها قيادة موحدة، هيئة عليا للثورة، وأن تكون لها جماهير منظمة، وأن تكون لها أيديولوجية واضحة أو ائتلاف من أيديولوجيات متعددة. ويحميها من الوقوع في براثن الثورة المضادة، الوقوف بقوة وحسم أمام رجالات النظام السابق الذين مازال لهم السطوة والمال والرجال، وعدم مهادنة رأسه وجماعته، حتى لا يفكروا في العودة إذا ما واجهت الصعاب الثورة الجديدة. وتكون الإجابة على سؤال الشعب ممكنة: كيف يبقى رأس النظام في جناح بمستشفى عسكرى مع كل مظاهر الراحة الممكنة والاتصال بالخارج منذ أن قامت الثورة حتى الآن وكأنه في فندق خمس نجوم، في حين أن الرئيس الذي أتى وراءه في سجن وتوجه إليه أبشع التهم مثل الخيانة العظمى؟ ومن ورائه تعود الفلول بقوة منتظرة أن تقفز على السلطة من جديد بالتعاون مع اليمين الرجعى.

وهنا تأتى أهمية الخطوات السريعة للمسار الثورى في التخلص من الأسباب التي دعت للثورة مثل الاستبداد والفساد والتفتيت والحروب الأهلية. والخطورة الأكثر أن تقع مصر بين مطرقتين: الأولى، العمالة العائدة من ليبيا واليمن، والثانية، العمالة التي قد تعود من الأردن والخليج وتركيا، وهى بالملايين. فكيف تستوعب العمالة الوافدة من الشمال والغرب والشرق ولديها عمالة محلية على الأرصفة منذ سنوات تودّ الهجرة ولو بحرا بطريق لاشرعى حتى لو ضحت بحياتها في قاع المحيط؟

لا حل إلا أن يُعاد توزيع الثروة في مصر بين قاطنى العشوائيات وسكان التجمعات والمنتجعات الجديدة، وأن تقوم الثورة الثالثة القادمة القائمة على الائتلاف القومى بوضع برنامج وطنى يرضى الجميع، يعتبر أحياء العاصمة كالأوانى المستطرقة، الاستواء جزء من تكوينها. هذا هو المشروع القومى الأول، الإسكان، قبل أن تتوالى المشاريع الأخرى في العمل والعلاج والتعليم بدلا من تغيير الوزارات كل عدة أشهر والأوضاع كما هي لا تتغير. ولا يزيد إلا الكلام.

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية