تعديل دستورى يهدف لتعزيز الحقوق والحريات الأساسية الفردية والجماعية ودولة المؤسسات وحكم القانون وحيادية القضاء، كما يقول رئيس الوزراء التركى رجب طيب أردوجان، أم يسعى للمساس باستقلال القضاء، وتقليص صلاحياته، وتحديد دور المؤسسة العسكرية، كما يقول المعارضون له؟.. سؤال بات يطرح نفسه كل يوم فى تركيا مع اقتراب موعد إجراء الاستفتاء على 28 مادة من مواد الدستور التركى فى 12 سبتمبر المقبل، وهو اليوم الذى يوافق ذكرى الانقلاب العسكرى الذى شهدته تركيا عام 1980، وأتبعه عام 1982 وضع الدستور الحالى لها، فرغم استطلاعات الرأى التى أجرتها أكثر من جهة فى الفترة الماضية، وخرجت بتأييد نحو 58% من الشعب التركى لإدخال التعديلات المقترحة من حزب العدالة والتنمية الحاكم هناك على الدستور الحالى، إلا أن الجدل حول تلك التعديلات مازال مستمراً.
بعض المراقبين للشأن التركى ربطوا بين التعديلات المقترحة والخلاف الواقع بين الحكومة الحالية بقيادة حزب العدالة والتنمية، وبين المؤسسة العسكرية على خلفية التحقيق فى الأشهر الأخيرة مع عدد من قادة الجيش التركى بتهمة التخطيط لانقلاب عسكرى، فهؤلاء الخبراء يفسرون التعديلات فى إطار التخوف الحكومى من انقلاب عسكرى جديد يؤدى إلى قرار بحل الحزب بتهم العمل ضد قوانين ومبادئ العلمانية التى يقوم عليها الفكر التركى، ولعل فى التعديلات المقترحة ما يؤيد وجهة النظر تلك، خاصة فيما يتعلق بإعادة هيكلة وتحديد دور المؤسسة القضائية بأركانها الأربعة الرئيسية، وهى مجلس الدولة، ومجلس القضاء، ومحكمة الاستئناف، والمحكمة الدستورية العليا، فتلك المنظومة القضائية تعد الآن أقوى معاقل «العلمانية الأتاتوركية»، كما يقول عدد من المراقبين السياسيين الأتراك، خاصة بعد نجاح حزب العدالة منذ مجيئه للسلطة وعلى مدى سنوات حكمه فى تقليم أظافر القوى الأتاتوركية الأخرى مثلما حدث فى البرلمان وقيادة أركان الجيش بشكل يسمح له بتنفيذ السياسة التى وضعها الحزب لنفسه، ولذا تطالب التعديلات بتغيير المادة 146 الخاصة بتحديد مهام المحكمة الدستورية العليا، وطريقة تكوينها، عن طريق زيادة عدد أعضاء المحكمة الدستورية من 11 عضواً إلى 17 عضوا أصيلا، يختار البرلمان 2 منهم بالتصويت السرى، بينما يتم اختيار بقية الأعضاء بطرق مختلفة يكون لرئيس الجمهورية نصيب من هذا الاختيار، وفيما يتعلق بقضايا حل الأحزاب السياسية، فتقضى التعديلات بصدور القرار بأكثرية ثلثى عدد أعضاء المحكمة وليس بالأغلبية المطلقة «النصف مضافاً له واحد» كما ينص الدستور الحالى. اقتراح آخر جاء فى التعديلات ليطال المادة 159 من الدستور، والخاصة بتحديد طريقة تكوين مجلس القضاء الأعلى، حيث تطالب التعديلات برفع عدد أعضائه من 7 أعضاء إلى 21 عضوا، على أن يستمر وزير العدل عضواً فى هذا المجلس دون أن يتولى رئاسته، أما التعديل المقترح للمادة 125 فيتناول إمكانية استئناف الأحكام الصادرة من المجلس الأعلى العسكرى أمام المحاكم العادية، كما يسمح باستئناف أحكام المحكمة الدستورية العليا بحق رئيس الدولة، ورئيس الوزراء، والوزراء أمام المحكمة العليا، ويسمح للمواطنين العاديين، بعد استنفاد طرق التقاضى الأخرى، باللجوء إلى المحكمة الدستورية قبل اللجوء إلى المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان.
عدد من المتخصصين فى الشأن التركى يرون أن قوة الفكر العلمانى المتشدد على المؤسسة القضائية التركية حولها فى السنوات الماضية لطرف فى الصراع السياسى والحزبى داخل البلاد، بشكل أثر على حياديتها فى الشارع التركى الذى يعتقد جزء كبير منه أن القضاء بات عقبة فى طريق الإصلاح السياسى، ولعل هذا ما دعم حزمة التعديلات التى تقدم بها حزب العدالة لدى المواطن التركى خاصة مع ما تتضمنه من مواد، يقال إنها تعزز الحريات الأساسية للأفراد والأحزاب السياسية، وتقربها من المعايير الأوروبية للحريات وحقوق الإنسان، بشكل يتيح لتركيا الانضمام للاتحاد الأوروبى الذى لم يخف أسباب رفضه لهذا الانضمام فى أكثر من مناسبة وبرره بمواد الدستور الحالى، ولذا، وعلى سبيل المثال، هناك تعديل خاص بالمادة 10 الخاصة بمبدأ المساواة أمام القانون، والتى تطالب بألا تفسر الإجراءات التى تتخذ، على نحو يتعارض مع مبدأ المساواة، وهو ما يعنى فتح الطريق لإزالة الحظر المفروض على ارتداء الحجاب فى المؤسسات الحكومية والجامعات.
ولا تتوقف التعديلات عند هذا الحد بل تصل للمادة 69 والخاصة بتحديد شروط حل أى حزب من الأحزاب السياسية، فطبقا لتلك المادة يمكن حل أى حزب إذا انطبقت عليه شروط مخالفة نظام الحزب الداخلى، أو تهديد أنشطته لاستقلالية الدولة ووحدتها، أو الإضرار بحقوق الإنسان ومبدأ المساواة ودولة القانون، أو التعارض مع سيادة الشعب وقواعد الجمهورية الديمقراطية العلمانية، أو مناصرة الحزب للديكتاتورية الطبقية أو الطائفية، أو التحريض على ارتكاب الجرائم، تلك هى شروط حل الحزب الذى يتم عبر دعوى يقيمها المدعى العام الجمهورى فى الدستور الحالى، أما التعديل الخاص بها فيتضمن إضافة شروط لتصعيب عملية الحل، ومنها عدم جواز حل الحزب إلا بثبوت ممارسته العنف بشكل مباشر، وعدم جواز قيام المدعى العام بفتح دعوى لحظر أى حزب دون موافقة مسبقة من البرلمان، والتى تعلن من قبل لجنة مؤلفة من 5 أعضاء عن كل حزب له تمثيل فى البرلمان، برئاسة رئيس البرلمان، وفى حال تم رفض الدعوى لا يجوز للمدعى العام تقديم طلب آخر، أما فى حال قبولها وصدور حكم محكمة بحل الحزب، فلا يجوز استمرار الحل لأكثر من 3 سنوات، مع عدم حرمان نواب الحزب فى البرلمان من عضويتهم نتيجة لقرار حل حزبهم، وقد دفع مقترح تعديل تلك المادة لأن يصرح زعيم حزب الشعب الجمهورى «دنيز بيكال» إلى القول: «إن قلق حزب العدالة والتنمية حيال إمكان حله ومحاكمة قادته يوما ما، هو من الأسباب الرئيسية التى دفعته إلى إعداد مثل هذا التعديل».
ويخوض حزب العدالة والتنمية تجربة الاستفتاء الشعبى حول مواد الدستور الحالى مستنداً على شعبيته فى الشارع التركى الذى جرب نوعا من الاستقرار السياسى والنمو الاقتصادى الذى تعيشه البلاد منذ مجىء الحزب للحكم فى عام 2002، فى الوقت الذى لا يتوقف فيه مسؤولو الحزب عن التصريح بأن أعداء تقدم تركيا هم من يعارضون تلك التعديلات التى ستفتح الباب أمامها للانضمام للاتحاد الأوروبى.