x

إبراهيم البحراوي سيادة الرئيس.. تجربة إصلاحية مصرية تستحق اهتمامكم إبراهيم البحراوي الأربعاء 23-03-2016 21:28


من الواضح، سيادة الرئيس، أن إحدى القضايا الكبرى التى تلح عليك باعتبارها أحد أهم جوانب النهوض بالبلاد بها، هى قضية الإصلاح الإدارى والمالى لمؤسسات الدولة، باعتبارها الرافعة القادرة على انتشال الأداء الحكومى فى جميع المجالات.

ذلك أن هذا الأداء يعانى من حالة تخلف وتردٍ تنعكس على حياة الناس من ناحية، وتحط من جودة ناتج العمل من ناحية ثانية، وتضعنا فى مرتبة متدنية فى سلم الدول المتقدمة من ناحية ثالثة. إننى أتجاسر وأناشدك سيادة الرئيس أن تخصص مع مستشاريك بعضا من وقتك للاستماع إلى تفاصيل تجربة إصلاح مصرية ناجحة ومثمرة من الناحيتين الإدارية والمالية، تمت فى عهدك فى مؤسسة حكومية شديدة الأهمية، وهى جامعة القاهرة.

إن هذه التجربة تمثل مبادرة فردية قام بها وتحمل أعباءها ومشقاتها رجل ألقيت على عاتقه رئاسة جامعة القاهرة، فوجد بها ما هو معتاد وشائع فى المؤسسات الحكومية من الأمراض المزمنة والقاتلة، مثل الإنفاق البذخى والفساد وإهدار المال العام وعدم إنفاقه فى الوجوه التى ترفع من أداء المؤسسة الحكومية، وهى فى هذه الحالة الجامعة ذات الدور التعليمى والدور البحثى والدور التنويرى للمجتمع.

يكفى مثل واحد للفت انتباهكم يا سيادة الرئيس فى مجال البذخ الحكومى، وهو مثال تخصيص ثلاث سيارات لرئيس الجامعة، اثنتان من طراز مرسيدس، وواحدة من طراز فور ويل درايف. لقد استمعت إلى تشخيص ووصف الأمراض المؤسسية وإلى مبادرة الإصلاح الناجحة وتجربة العلاج الشافية للجامعة من هذه الأمراض من صاحب هذه المبادرة الإصلاحية، وهو الدكتور جابر نصار، رئيس جامعة القاهرة.

ليتك كنت معنا يا سيادة الرئيس بنادى هيئة التدريس بجامعة الأزهر فى ندوة دعانى إليها الدكتور عبدالله سرور والدكتور حسين عويضة، حيث اجتمع عدد من أساتذة الجامعات المهتمين بتصحيح مسارى العملية التعليمية وعملية البحث العلمى بالجامعات، قاطرة النهضة الوطنية، يوم السبت الماضى، للاستماع إلى خطوط وتفاصيل هذه المبادرة الإصلاحية المثمرة.

إننى أناشدك سيادة الرئيس أن تدعو صاحب هذه المبادرة إليك، وأن تستمع إليه وتناقشه لتكتشف بنفسك أن هناك إمكانية للنهوض بمصر ومؤسساتها دون تعليق النهضة على إنفاق مزيد من الأموال. لقد بينت تجربة د. جابر أن الميزانيات التى تخصص حاليا للجامعات كافية لإطلاق نهضة تطور الأداء داخل الجامعات إذا أحسنت قيادة المؤسسة الجامعية استخدامها، وأوقفت بشجاعة عمليات الفساد والتبذير وإهدار الأموال ووجهتها إلى أبواب الإنفاق الصحيحة.

ستجد سيادة الرئيس فى تجربة جامعة القاهرة أن العملية التعليمية التى كانت متدهورة قد تقدمت، وأن البحث العلمى الذى كان معطلا لنقص الأموال المخصصة له قد ارتقى بمجرد توفر الوعى لدى رئاسة الجامعة بضرورة إعادة النظر فى استخدام الأموال المتاحة استخداما أمثل. إن مبادرة الدكتور نصار- كما استمعت إليها- تصلح أن تكون نموذجا يُقتدى به لإطلاق مبادرة على المستوى الوطنى للإصلاح الإدارى والمالى الذى تنبنى عليه النهضة الحضارية المطلوبة لمصر.

واسمح لى قبل أن أضع أمامك بعض التفاصيل أن أشير إلى أن هناك قضية أخرى ظهرت فى تجربة جامعة القاهرة الإصلاحية لا تقل أهمية، وأعرف أنها تحتل لديك أيضا أولوية خاصة لمساسها بالأمن القومى لمصر. إنها قضية تجفيف منابع الفكر المتطرف الذى يولد الإرهاب. لقد اكتشف د. جابر بجامعة القاهرة أن هناك ما يمكن أن نسميه حضانات لهذا الفكر، مهمتها تصيد الشباب بسيط المدارك واحتضانه وتلقينه مبادئ الفكر الدينى المتطرف وعزله نفسيا وفكريا عن المجتمع باعتباره مجتمعا كافرا.

اكتشف د. نصار أن هذه الحضانات موجودة بالمصليات والزوايا العديدة المخصصة للصلاة بجميع الكليات، حيث يتم الاستقطاب والتلقين والتجنيد بعيدا عن العيون، وهنا اتخذ الرجل قرارا شديد الصعوبة، لكنه فى نفس الوقت شديد الأهمية، وهو إغلاق جميع الزوايا بالكليات وإقامة مسجد جامع كبير بالجامعة يصلى فيه طلاب جميع الكليات بعيدا عن الزوايا الخفية التى تقوم بدور حضانات الفكر المتطرف. لقد اقتنعت بصحة اكتشاف د. جابر نصار عندما تذكرت أن مكان الصلاة الذى كان مخصصا لنا كطلاب بكلية الآداب جامعة عين شمس، منذ أكثر من خمسين عاما، عندما تم افتتاح المبنى الحالى لأول مرة، وكان بناءً جديداً مصمماً بلمسات جمالية، كان عبارة عن غرفة ملحقة بدورة المياه المهملة فى بدروم الكلية المظلم الرطب والكئيب.

كأن المسؤول عن تخصيص القاعات والحجرات بالكلية رأى أن مكان الصلاة يجب أن يكون فى قاع الكلية وفى ركن مظلم منها. إننى أقترح يا سيادة الرئيس تعميم تجربة جامعة القاهرة بجميع الجامعات لإقامة مسجد جامع محترم من الناحية المعمارية والحضارية يوفر إحساس الكرامة للطلاب المقبلين على الصلاة، مع إغلاق الأماكن التى لا تليق أصلا بقيمة الصلاة وكرامة المصلين وتمنح صيادى الفكر المتطرف جوا كئيبا يمكنهم من الناحيتين النفسية والمعنوية للطلاب من تحويل هذه الزوايا إلى حضانات للفكر المتطرف. نعود إلى تجربة الإصلاح الإدارى والمالى لنعطى بعض الأمثلة التى قدمها لنا د. جابر.

لقد ميز د. جابر بين نوعين من الفساد: الأول فساد الأشخاص، وهذا يسهل عزله واحتواؤه بتشديد الرقابة وتوفير الآليات التى تفضح نشاط الفاسدين، أما الثانى والأصعب فهو فساد المنظومة، وأعطانا المثل التالى عليه، لقد وجد أن القاعدة المعمول بها فى منح المكافأة للإدارة التى تحسن عملها تؤدى إلى إهدار ضخم لأموال الجامعة، ذلك أن تلك القاعدة كانت تعطى مكافآت لجميع إدارات الجامعة التى لا علاقة لها بموضوع المكافأة، فإذا أراد رئيس الجامعة أن يكافئ مثلا الإدارة الهندسية على عمل جيد قامت به بمبلغ مائتى ألف جنيه كان يجد نفسه مضطرا لمنح مثلها لجميع إدارات الجامعة الأخرى التى لم تفعل شيئا، وبالتالى تتكلف الجامعة مليون جنيه بدلا من مائتى ألف. أعطانا د. جابر أمثلة أخرى مثل إعلانات التعازى وغيرها، والتى كانت تكلف جامعته ثلاثة ملايين جنيه كل سنة، ومثل رواتب عدد ضخم من المستشارين الذى يعينون بعقود فى حدود خمسة آلاف جنيه شهريا، فقام د. جابر بإلغاء كل هذا الهدر وغيره، وكذلك حكاية سيارات المرسيدس المخصصة لرئيس الجامعة، لقد أعطانا الرجل مثلا على كيفية الحصول على أموال إضافية للجامعة، فقد وجد أن هناك عددا كبيرا من الأساتذة يتغيبون عن عملهم بالجامعة لمدة تصل أحيانا إلى ثلاثين سنة، طبقا للقانون الذى يسمح بمرافقة الزوجة العاملة بالخارج، وبالتالى عمد إلى إصدار قرار يحتمله القانون يفرض على العضو المتغيب لفترة من ثلاث إلى عشر سنوات مبلغ عشرة آلاف جنيه سنويا لدعم البحث العلمى، وفرض على من يتغيب فترة أطول من ذلك مبلغ عشرين ألف جنيه توجه لنفس الغرض، وهو ما وفر للبحوث العلمية تمويلا بمبلغ تسعة ملايين جنيه سنويا، وأدى بالطبع إلى المساهمة فى تنشيط أبحاث الأساتذة.

إن هناك سيادة الرئيس أمثلة عديدة أخرى تمكن بها د. جابر من توفير عشرات الملايين من الجنيهات المهدرة، وإضافة عشرات الملايين الأخرى لجامعته، وبالطبع أدى الإصلاح الإدارى والمالى إلى تحسين العملية التعليمية وتنشيط البحث العلمى بالجامعة. لقد كان من حظى الطيب أن تعرفت معرفة وثيقة على وزير التعليم العالى، الدكتور أشرف الشيحى، عندما كان رئيسا لجامعة الزقازيق، بصفتى نائبا لرئيس مجلس إدارة المركز الجامعى للدراسات الإسرائيلية بها، وخالطته بصفتى باحثا رئيسيا أدير بحثا علميا جماعيا لتحليل استراتيجية إسرائيل للتنمية، والتى تحمل اسم استراتيجية إسرائيل ١٩٢٨.

لقد أشرف الدكتور الشيحى، أستاذ الهندسة، على عملنا باهتمام كبير، وأبدى تركيزا على التجربة التعليمية والبحثية فى إسرائيل، بالإضافة إلى تجربة الإصلاح الإدارى والمالى فيها.

لقد تيقنت أن الدكتور الشيحى من الأساتذة الباحثين عن نهضة حقيقية لمصر، وإننى لأناشد هذا الوزير أن يساند تجربة الإصلاح بجامعة القاهرة، وذلك بأن يطلب موعدا مع الرئيس ليستمع فيه إلى هذه التجربة التى يمكن أن تكون قدوة لإطلاق عملية الإصلاح الإدارى والمالى على مستوى الوطن.

[email protected]

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية