فى بداية الحلقة الثالثة والأخيرة، أود أن أوجه مناشدة أخيرة للدكتور يوسف زيدان صاحب القدرات الفكرية المتميزة، أن يتأمل ما قدمته له وللدكتور مردخاى كيدار، الأستاذ بجامعة بار إيلان، من أسانيد تاريخية تؤكد عروبة القدس وبطلان ادعاءات كيدار بأن الصهاينة هم أصحاب الحق التاريخى فى القدس. إنها أسانيد قطعية تعتمد على الآثار ونصوص كتاب اليهود المقدس وهو العهد القديم. لقد بينت تفصيلًا من قبل مدى الضرر الوطنى والقومى الناتج عن تبنى باحث مصرى بحجم «زيدان» لمقولات كيدار، حول عدم وجود المسجد الأقصى بالقدس، ظناً منه أن التفريط فى حقوقنا يؤدى لتحقيق السلام، كما قال فى حديثه مع خيرى رمضان. أتمنى مخلصاً أن يرجع د. زيدان إلى الحق الذى ظهر أمام عينيه بعد هذه الدراسة القائمة على النصح وليس اللوم، وألا يخلط بين ضرورات تجديد الخطاب الدينى والتنازلات المجانية للصهاينة. نعود الآن إلى النقطة التى توقف النشر عندها بسبب تقسيم الدراسة لكبر حجمها وهى بداية النقطة السادسة.٦- إنك يا دكتور مردخاى لو أرحت نفسك قليلا من الدراسات العربية والإسلامية وتحولت لتأمل كتبكم اليهودية المقدسة والدراسات التاريخية التى تناقشها، فإنك ستكتشف المالك الأصلى والحقيقى للقدس وهو العرب اليبوسيون. اتعب نفسك بالدراسة قليلا فى سفر يشوع بن نون، حيث ستكتشف أن كتبك المقدسة والدراسات التاريخية لها تعترف أن اليبوسيين أصحاب القدس وأن مؤسسيها ظلوا راسخين وحدهم فى مدينتهم لأكثر من قرنين فى مواجهة محاولات بنى إسرائيل لاقتحامها بعد خروجهم من عبودية مصر مع موسى ودخولهم فلسطين بقيادة يشوع بن نون فى القرن الثانى عشر قبل الميلاد. كذلك إذا درست سفر القضاة فستعلم أن العرب اليبوسيين ظلوا صامدين مثلما يفعل أهل القدس العرب اليوم ولم يفارقوا مدينتهم حتى بعد الاحتلال الإسرائيلى بقيادة داوود، حيث يرد فى الأصحاح الأول من القضاة أى رقم ٢١ (أما اليبوسيون المقيمون فى أورشليم فلم يطردهم بنو بنيامين فأقاموا مع بنى بنيامين إلى هذا اليوم).
أرجو أن يقدم هذا لك يا د. مردخاى وأيضا يا د. يوسف زيدان برهاناً من الكتب اليهودية المقدسة، بالإضافة للبراهين التاريخية سالفة الذكر، على أن بنى إسرائيل كانوا غزاة ومحتلين لبلد ليست لهم عندما اقتحموا القدس فى القرن العاشر قبل الميلاد بقيادة داوود ولم يكونوا أصحاب الأرض التاريخيين تماما كما هو الحال فى عام ١٩٦٧ عندما غزا الجيش الصهيونى المنحدر من السلالات الأوروبية القدس واحتلها دون أن يرتب هذا الاحتلال، من وجهة نظر القانون الدولى ووجهة نظر الباحث التاريخى الموضوعى النزيه، أى حقوق تاريخية للمحتل ودون إضفاء أى شرعية قانونية أو تاريخية على الاحتلال.
بقى أن أسجل أمامك يا د.زيدان وأمام القراء أسفى لقيام وسائل الإعلام الصهيونية باستثمار كلامك مع خيرى رمضان على قناة «س. ب. س» لدعم الادعاءات الصهيونية بملكية الحرم القدسى. على سبيل المثال من عشرات الأمثلة التى أرسلت لى (لينكاتها) على المواقع الإسرائيلية ابنتى الروحية د. منال مرسى الأستاذة بجامعة الأزهر نجد عنوانا عريضا بالعبرية على موقع صحيفة معاريف الإسرائيلية يقول (الحرم القدسى أصبح فى أيدينا. هذا هو المثقف المصرى الذى يمنح المسجد الأقصى لنا) وتحت هذا العنوان تظهر صورة د. زيدان وهو على شاشة قناة «س. ب. س» مع تعليق باللغة العبرية يقول بالنص (لقد أصيب الإعلامى المحاور للدكتور يوسف زيدان بالصدمة والذهول وهو يستمع إليه، ذلك أن هذا الإعلامى يعلم أن القنبلة التى ألقاها الفيلسوف والباحث فى قضايا الأديان الدكتور يوسف زيدان سيكون لها انعكاسات ونتائج قاسية، فليس هناك أحد آخر مستعد لأن يقول إن المسجد الأقصى ينتمى لليهود وإنه مكان ليست له قدسية عند المسلمين).
هل ترى يا د. يوسف زيدان نوع الضرر الفادح الذى تسببت لنا فيه بكلامك المنقول حرفيا عن مردخاى كيدار عن المسجد الأقصى؟ لقد أعطيتهم سندا بلسان مصرى وبقلم مصرى فى كتاباتك ليخرسوا الأصوات اليهودية العقلانية التى تقول الحقيقة التاريخية وأعطيتهم فرصة لينقلوا كلامك المأخوذ من مردخاى على أنه مستند عربى يعترف بيهودية الحرم القدسى فى المحافل الدولية أكاديمية كانت أم سياسية أم قانونية، وطبعا سيضعون على صدرك صفة الفيلسوف الكبير والمفكر البارز ليعطوا مصداقية لكلامك الذى هو أصلا كلامهم كما يظهر من محاضرات مردخاى كيدار العلنية وعلى شاشات التليفزيونات الإسرائيلية.
لذا مازلت أتمنى عليك يا د. زيدان أن تعمل على إزالة الأضرار القومية التى تسببت فيها بكلامك وألا تستمر فى تكرار إلقاء (القنابل) التى يتباهى بها الصهاينة تحت زعم أنك تقصد (إلى إعمال العقل وفهم الأمور فهما منطقيا يتجاوز الأوهام مهما كانت هذه الأوهام مهيمنة) كما ذكرت فى نهاية مقالك المنشور بـ«المصرى اليوم» يوم الأربعاء ٢مارس تحت عنوان «أسئلة الإسراء السبعة».
سؤال أخير لك يا د. يوسف زيدان، أرجو أن تجيب عليه ولا تتهرب منه- كما تهربت عندما واجهتك بأنك تبيع لنا كلام كيدار على أنه من بنات أفكارك- سؤالى يقول يا عزيزى د. يوسف: لماذا اخترت هذا التوقيت بالذات لإعمال العقل ولتبديد ما تسميه الأوهام حول عروبة المسجد الأقصى وأنت تعلم أن الإسرائيليين يصعدون منذ ستة أشهر من جهودهم لاقتحام المسجد ويطرحون على المستوى الرسمى مشروع تقسيمه زمنيا تمهيدا لتقسيمه مكانيا وتحضيرا للحدث الثالث الذى يقول مردخاى كيدار إنه سينزل على رؤوس العرب والمسلمين وهو إقامة الهيكل مكان المسجد الأقصى؟
لماذا يا د. زيدان اختيارك لهذا التوقيت وأنت تعلم أن أطفال القدس العرب يضحون بحياتهم بحرب سكاكين فى مواجهة جنود الاحتلال والمستوطنين المستعمرين الغاصبين ليمنعوا الاحتلال من فرض أطماعه على مدينتهم وعلى المسجد الأقصى الذى أصبح تاريخيا رمزا لعروبة هذه المدينة؟
أرجوك يا د. يوسف أن توقظ ضميرك وأن تستيقظ من أوهامك بأن عاقلا سيتبع كلامك المنقول من مردخاى وأرجوك مخلصا أن تتخلى عن ملذات الجدل البيزنطى الفارغ فى هذا الوقت الذى يطرق فيه الخطر الصهيونى أبواب المسجد الأقصى. إنك بكل ما تقوله عن القدس تقوم فى الحقيقة بتوجيه طعنات لظهور الأطفال العرب الذين يمارسون حقهم الشرعى المنصوص عليه فى المواثيق الدولية وهو حق مقاومة الاحتلال ومنعه من إجراء أى تغييرات سكانية أو جغرافية أو ماسة بالتراث الثقافى والحضارى والتاريخى للإقليم الخاضع للاحتلال. إنهم يا د. زيدان أطفال عرب فلسطينيون أصحاب حق والورثة التاريخيون الحقيقيون للقدس وهم يتلقون عنا طلقات جنود الاحتلال للقدس فى صدورهم والأولى بك أن تساندهم وتدعم حقوقهم بفكرك لا أن تساند الغاصبين المحتلين الصهاينة وبتصميم أصبح يدعونى للتساؤل عن دوافعك الخفية.