x

أسامة غريب أستاذنا الفاشل! أسامة غريب الخميس 10-03-2016 21:28


زمان أيام الدراسة بكلية الإعلام استقدموا لطلبة قسم الإذاعة والتليفزيون أستاذاً من معهد السينما ليدرس لنا مادة السيناريو. لم يكن الأستاذ يحاضر فقط لكن كانت له على ما سمعنا أعمال فنية قام فيها بالتأليف والإخراج. كان الرجل مقتدراً فى مادته، تشعر وأنت تستمع إليه أنه معجزة بشرية، شاهد واستوعب وهضم معظم الأفلام العالمية والمحلية، ولديه قدرة على تذكر أسماء كتاب السيناريو والمخرجين لمعظم الأفلام. أعجبتنا طريقته المحببة فى الشرح، وكنا ننتظر موعد محاضرته بفارغ الصبر. لم يكن يكتفى بتدريسنا فن كتابة السيناريو فقط، لكن كان يعرج على باقى الفنون السينمائية ويثرى معارفنا بما لديه من خبرة فى التصوير والإخراج والمونتاج.. حتى الإنتاج كان يحدثنا عنه، رغم كونه خارج تخصصه. ولم يكن الأستاذ يكتفى بالشرح النظرى والمعلومات المعبأة، لكن كان يفرض علينا تحليل بعض الأفلام بدراسة السيناريو الخاص بها، وكذا كان يقدم نقداً تشريحياً لأحد المسلسلات الذى كان يُذاع فى تلك الفترة، ويطلب من كل واحد منا أن يعيد كتابة أحد المشاهد بطريقة جديدة تختلف عما شاهدناه على الشاشة. هذا وقد شجعت دماثة خلق الرجل وحلو معشره الكثير من زملائنا الطلبة على التهور بعرض نماذج لتجاربهم فى كتابة السيناريو، وكان يعرضها لنا فى إعجاب ويوضح ما بها من هنّات وأخطاء دون أن يجرح صاحبها.

الخلاصة.. كان هذا الرجل أعجوبة سينمائية، عشنا فى ظله أوقاتاً جميلة استمتعنا فيها بكل لحظة من محاضراته التى كانت تمر بسرعة. وقد كان من حظنا فى النصف الثانى من العام الدراسى، وبعد أن تعلقنا به، أن التليفزيون أعلن عن إذاعة مسلسل من تأليف وإخراج أستاذنا الكبير، وقد كان كما أخبرنا مُقلاً فى أعماله الفنية، بسبب أن التدريس استحوذ على الجانب الأكبر من وقته. فى ذلك الوقت لم أكن قد شاهدت للأستاذ أى أعمال من قبل، وكان المسلسل المزمع تقديمه هو حديث الطلبة فى قسمنا، وقد انتظرناه جميعاً بشوق. كنا كمَن يتطلع لسماع آخر قصيدة لشاعره المفضل، أو ينتظر الرواية الجديدة لكاتبه الأثير. وبدأ عرض المسلسل.. حلقة والثانية والثالثة.. لم نصدق ما نرى.. المسلسل ضعيف البناء ومهترئ، والشخصيات باهتة لا تُعرف لها ملامح، والإيقاع مترهل وغير متماسك، وتوجيه المخرج للممثلين غير موجود، حتى إن كلاً منهم فى واد.. كذلك التصوير والمونتاج والقَطْع ملىء بالأخطاء، التى كان هو نفسه كثيراً ما يحذرنا منها. كان المسلسل بأكمله عبارة عن فضيحة فنية، لدرجة أن أبطاله تنصلوا منه ونشرت الصحف عن الخلافات التى كانت بينهم وبين بعضهم البعض وبينهم وبين المخرج ومدير التصوير، وقد اعتبر كل منهم أن هذا العمل سقطة فنية وعد بعدم تكرارها!. فى ذلك الوقت كان الذهول مستولياً علينا تماماً، لم نستوعب كيف يكون أستاذنا القدير وراء هذا العمل الردىء الذى تجرأ على هلهلته كل النقاد والصحفيين. كنا صغاراً لا ندرك أنه من الممكن أن يكون المرء محاضراً عظيماً وفناناً فاشلاً فى الوقت نفسه، ولا كنا نستوعب أن مَن يعلمنا كيف نكتب السيناريو غير موهوب فى كتابة السيناريو.. التدريس شىء والموهبة الفنية شىء آخر تماماً!

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية