x

مي عزام إنتوا مين؟ مي عزام الإثنين 21-03-2016 23:56


الحادث الإرهابي الأخير في العريش أحزننى كثير، مع كل حادث تزيد حيرتى: من هؤلاء الذين يقتلون بدم بارد حماة الوطن والواجب؟ كيف يفكرون؟وماهى تفاصيل حياتهم اليومية؟ وماهى اقصى أمانيهم وأكبر احلامهم؟ ربما يتعجل قارىء ويقول :هؤلاء لايفكرون ولكنهم مسيرون يتعرضون لغسيل مخ، وربما يضيف أن غاية أماني هؤلاء الشهادة وأكبر احلامهم جنة الخلد التي فيها ما لعين رأت ولا أذن سمعت كما يقول لهم كبيرهم.

حين نفكر في المتشددين الين يكفرون خلق الله ويستبيحون دماء الأبرياء ،نعتقد أنهم جميعا على قلب رجل واحد بحكم انتماءهم إلى نفس الفصيل، وان مابينهم من اختلاف لايرقى لمستوى الخلاف،وهذا الوضع مريح، التنميط دائما أسهل، فلوفكرت عكس ذلك ستجهد نفسك ولن تصل إلى حقائق تريحك في التعامل مع هذه الظاهرة، تقسيم الناس إلى فصائل يجعل الأمر أهون في التعاطى مع الظاهرة ولكن نتائجة سيشوبها الكثير من القصور.

في باكو عاصمة اذربيجان تحدثت «إيرينا بوكوفا» مدير عام اليونسكو العام الماضى، أمام ندوة حوار الثقافات، عن الهوية بأعتبارها أهم المشاكل الثقافية التي تواجه العالم في القرن الواحد والعشرين .التشدد والعنصرية والانغلاق والتطرف، في حقيقته محاولة للحفاظ على الهوية خوفا من ضياعها.

منذ أيام جمعتنى مناسبة عائلية بسيدة منقبة لاتذكر أسم زوجها إلا مسبوقا بلقب الشيخ ،ووجدت أن من واجبها أن تدعونى للحجاب، وتحدثت عنه كزى يميز المسلمة عن غيرها من أتباع الديانات الأخرى ،جزء كبير من تمسك المسلمات ذوات الأصول العربية في الغرب بلبس الحجاب ودفاعهن عنه في أنه يمثل ما تبقى لهن من هوية، فهذه المجتمعات تطلب من المهاجرين الاندماج الكامل في المجتمع الغربى بمعنى التخلص من عاداتك وتقاليدك وما وقر في قلبك وحفظه عقلك...فماذا يبقى إلا التمسك بالمظهر وهو أضعف الإيمان... محاولة التميز بالزى وسيلة يتبعها البسطاء للحفاظ على هويتهم.

حين فتحت المانيا ابوابها أمام العمالة التركية بعد الحرب العالمية الثانية لاحتياجها لعمال أشداء لبناء المانيا المهدمة، لم يكن موضوع الهوية مطروحا كما هو الآن، عدد كبير من الاتراك ظلوا محافظين على هويتهم كاملة داخل مجتمعاتهم المغلقة حتى أن الجيل الثانى من هؤلاء لم يكن يذهب للمدارس الالمانية،ولكن بعد سنوات وجدت المانيا أن وجود جيتوهات على ارضها ليس في صالحها، وبدأت الحكومة هناك لدمج الأجيال الجديدة من الأتراك في المجتمع بعد حوادث صدام وعنف بين السلطات الالمانية والاتراك الألمان.

المانيا أستوعبت الدرس، تحدثت ميركل عن ضرورة اندماج اللاجئين السوريين في المجتمع الالمانى، الاندماج يعنى الذوبان، ان تنسى ماضيك من اجل مستقبلك، ان تقتطع قطعة من قلبك وجزء من عقلك ،وإلا ستسب صداع وصراع مع الدولة المضيفة.

الإنسان الذي تنازل عن جنسيته وانتماءه لبلده الأم وارثه الحضارى وفضل الهجرة والعيش في بلد آخر مختلف في العادات والتقاليد والثقافة لايبق له إلا عقيدته ليتمسك بها، فحرية الاعتقاد مكفولة في كل دساتير العالم، الدين يصبح الهوية وخاصة عند المهاجرين الذين لم يتحققوا في بلاد الغربة ويشعروا بأنهم يعيشوا على هامش المجتمع وليس في قلبه.

كيف يتعامل العالم مع هذه الاشكالية؟ الإنسان دائما يختار الأسهل بغض النظر عن العواقب، والسهل يصنف الناس ويضعهم في أنماط حتى يسهل التعامل معهم، الغرب فصيل الاذكياء والعرب فصيل الحمقى، المسلمون سلفيون إرهابيون، الاسيويون نشطاء، الأفارقة كسالى وجهلة....الخ، هذا التصنيف يذكرنى بفيلم Divergent،الذي تدور احداثه بعد حرب دمرت جزء كبير من العالم، وقام حكام المدينة التي تدور فيها احداث الفيلم بتطويقها بسورلتأمينها وتأسيس نظام قائم على تقسيم السكان إلى خمس فصائل لمنع تكرار الحروب والحفاظ على الأمن وهى:

فصيلة الأذكياء:الذين يقدرون المعرفة والمنطق وهم النخبة، دائما في الطليعة ،فهم يعرفون كل شيء.
فصيلة الوئام: العمال الذين يزرعون الأرض ويتمتعون بالعطف والإنسجام فيما بينهم وهم بسطاء وراضون عن حياتهم.
فصيلة الصادقين: يقدرون الصدق ويحترمون النظام ويقولون الحقيقة، حتى أن لم ترضى الآخرين
فصيلة الشجعان :حماة المدينة، الجنودورجال الشرطة وهم لا يخافون شيئا وأحرار
فصيلة الزهاد:تعيش حياة عادية، ناكرون للذات ،تكرس حياتها لمساعدة الآخرين ،وهم يساعدون منعدمي الفصيل، موظفون عند الحكومة التي تأتمنهم على الإدارة.
ومنعدمى الفصيلة هم الأشخاص الذين لا ينتمون لأي فصيل، يعيشون منبوذين في العراء.
كانت الأمور تسير على مايرام، الجميع يعلم إلى أي فصيل ينتمى ،في الفيلم الانتماء للفصائل يفوق الانتماء للدم والأسرة ،وطبقا لهذا التقسيم الحاد يتم التخلص من «المتباين» وهو الشخص المنتمى بحكم مولده لفصيل ولكن يجد في نفسه ميلا لفصيل آخر مع الاحتفاظ بسلوكه السابق، المجتمع يتقبلك لو اردت ان تنتقل لفصيل آخر على شرط أن تذوب تماما في هذا الفصيل. لكن الخطر على المجتمع، من وجهة نظر النظام، ان تنتمى لأكثر من فصيل .
رغم أن الفيلم خيالى ،لكننى أعتقد أنه نظام الفصائل معمول به في العالم دون البوح به ،اليس هذا ما تريده ميركل؟ أليس هذا مايصرح به ترامب ؟.

انظر حولك ستجده مطبقا في مصر: فصيل الجيش، الشرطة، القضاء، رجال الدين، النشطاء، الإعلاميون، المثقفون، المدافعون عن النظام، المعارضون للنظام، الإخوان ،رجال المال، طوائف العمال ... الخ ....كما أن لدينا اللامنتمون لأى فصيل وهم الأكبر عددا، كما في الفيلم يعيشون منبوذون في قاع المجتمع على مساعدات الحكومة وطيبة الزهاد.

لذلك لم أدهش حينما خاطبنا الرئيس متسائلا: من أنتم؟ فهو بالتأكيد كان يخاطب فصيل أو أكثر طبقا لتوصيف الشعب وتقسيمه من وجهة نظر النظام ..
للأسف نعيش زمن الفصائل والشللية والفئوية.. والخوف ...كل الخوف ممن يرتفع على هذا الانتماء الضيق ويتمرد على قواعد الفصيل.

[email protected]

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية