x

مي عزام حديث الثلاثاء .....ثوب الملك ومصير الحقيقة مي عزام الإثنين 29-02-2016 21:24


في قديم الزمان، كانت مملكة «نعام» تعيش في خير ووئام، وكان الملك يعيش حياة الرفاهية والسلام، لكنه كان ملولا، طماعا، لا يشبع مما لديه، بل يفكر فيما ينقصه، كان يحلم بامتلاك ما يعجز غيره من الملوك عن امتلاكه، لم يرض بقصره الفخم ومملكته الغنية، كان يريد المزيد، وحيث يوجد الطماع يعيش النصاب والمحتال والكذاب .
استطاع محتال ذكي من رعيته أن يقنع الملك بأن لديه ما يجعله متميزا عن ملوك عصره وأمراء زمانه، ثوب سحري لا يراه إلا العقلاء والحكماء ومحبو الملك، أما معارضوه وكارهوه فلن يتمكنوا من رؤيته، وبهذا يمكن للملك بسهولة معرفة أعدائه، فرح الملك بهذا الخبر وطلب من النصاب أن يبدأ فورا في تنفيذه.
كان النصاب يطلب من الملك أموالا طائلة ليشتري الخيوط السحرية التي لا يراها إلا الحكماء ويغزلها بعناية على مغزل خفي، استمر الأمر شهرا بعد شهر حتى بدأ الشك والقلق يعرفان طريقهما إلى قلب وعقل الملك، أدرك النصاب أن الوقت حان لتقديم الثوب للملك والفرار من المملكة قبل أن ينتبه الملك لحيلته واحتياله.
انتشر خبر هذا الثوب في المملكة، وجاء اليوم المرتقب الذي سيخرج فيه الملك على شعبه مرتديا إياه، ليدرك بنظرة عين من معه ومن ضده، دخل المحتال على الملك رافعا يده في الهواء مقنعا الملك بأنه يحمل الثوب السحري وألبسه المحتال الهواء، نظر الملك إلى المرآة، رأى الحقيقة، لكنه لم يستطع أن يصرح بها خوفا من أن يتهم بالحماقة، كذب عينيه وكذلك فعل وزراؤه ومستشاروه، وخرج الملك مرتديا أوهامه، يسير عاريا مزهوا بعظمة الغفلة، كان الجميع يشاهد الملك دون ملابس تستره، لكن لا أحد يجرؤ على البوح.
الحقيقة أصبحت سبة وتهمة تلاحق من يجرؤ على التفوه بها، جاءت البراءة لتنقذ الحقيقة التي خذلتها العقول والضمائر، صرخ طفل في زحام المشهد: «الملك يسير عاريا».
تحول موكب الملك إلى سيرك، والملك إلى مهرج، نظر الملك إلى نفسه من جديد، انكشفت الغشاوة من على عينيه: يا للهول إنه عار، أمر وزراءه بصوت مرتعش أن يستروه، تحلقوا حول ملكهم وجعلوا من أنفسهم مثارا لسخرية تبعتهم حتى باب القصرانتهى اليوم العصيب، وطلب الملك من رجاله أن يحضروا إليه كلا من النصاب والطفل.
(مستوحاة بتصرف من قصة «ثوب الإمبراطور العجيب» للدانمركي هانز كريستيان أندرسون)
خرافة حقيقية
تم القبض على النصاب بعد أن هرب لخارج البلاد، أمر الملك أن يقطع رأسه في ميدان عام، ليكون عبرة للجميع، حتى لا يجرؤ أحد بعد ذلك على السخرية من الملك.
أما الطفل الذي نطق بالحق، فلقد أمر الملك بأن يعيش في القصر، وأن تكون وظيفته أن يصارح الملك بالحقيقة مهما كانت.
حقيقة خرافية
تنوعت الأقاويل حول مصير النصاب والطفل، قيل إن النصاب استطاع أن يرشي الحراس بكل ما حصل عليه من أموال الملك وهربوه، وأن من قطع رأسه مسكين يشبهه في الهيئة، تم وضع جوال على وجهه حتى لا يظهر منه شيئا، وأن هذا النصاب أصبح فيما بعد ذا شأن عظيم في بلاط مملكة «آخر الزمان» بعد أن غير طريقته وهو يعيش كمستشار للسلطان هناك في أمان وسلام.
أما الطفل فهناك من يقول إنه عاش في كنف الملك وذاق طعم النعيم، وبعد سنوات قليلة أصبح واحدا من رجال الملك المخلصين، الذين يقولون ما يحب الملك أن يسمعه، وعاش في تبات ونبات وزوجه الملك لصغرى بناته وأبقاه ضمن أسرته حافظا لسره مؤتمنا على حكمه وهناك من يقول إن الطفل شب على ما ربى عليه، قول الحقيقة، وفى يوم لم يطق الملك سماع صوته، وأمر رجاله بأن يقطعوا لسانه، وعاش أخرس ومات كمدا.
الحكاية مستمرة
بعد مئات السنين، أصبح ثوب الملك موضة العصر، كلنا نرتديه بكامل إرادتنا....لا العرى يخجلنا ولا النصاب نلومه ولكننا نحاكم الطفل على وقاحته وتفوهه بالحقيقة.
ektebly@hotmail

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية