x

د. ياسر عبد العزيز نحن.. وإعلام «المطاوى والسنج» د. ياسر عبد العزيز السبت 19-03-2016 21:52


واحدة من العادات التى سعيت إلى الحفاظ عليها باستمرار هى عادة تتبع سلوك جمهور وسائل الإعلام.

ولذلك، فأنا لا أمل من فحص القصص الأكثر قراءة، والفيديوهات الأكثر مشاهدة، والأخبار الأكثر تعليقاً، ومحاولة التعرف إلى الدوافع التى قادت الجمهور إلى التفاعل مع هذه القصة أو هذا المشهد.

فى الآونة الأخيرة لاحظت أن عدداً كبيراً من الأخبار الأكثر قراءة والمشاهد الأكثر رواجاً عبارة عن معالجات لوقائع يتحدث فيها مذيعو برامج «التوك شو» عن أشخاص آخرين.

وقد دأب زملاؤنا فى المواقع الإلكترونية على تلخيص الموضوع فى عنوان مكثف على النحو التالى: «فلان لفلان: أنت كذا».

خذ عندك مثلاً: «عكاشة لأديب: وكتاب الله لأمشيك بالملابس الداخلية»، أو «جابر القرموطى لعكاشة: اهدى عشان متتنفخش»، أو «مرتضى لعمرو أديب: أنا عمك ومحامى مراتك الثانية»، أو «عمرو أديب لمرتضى: لو راجل تورينى هتعمل إيه».

إذا كنت من هؤلاء الذين يتصفحون المواقع الإلكترونية باستمرار، أو يشاهدون الفيديوهات عبر «اليوتيوب»، فلاشك أنك اصطدمت بواحد أو أكثر من العناوين التالية، وعلى الأرجح فقد نقرت على الرابط لتشاهد هذه الموقعة بين المذيع وزميله أو المذيع والشخص الذى يستهدفه.

حين عاتبت صديقاً مثقفاً لا يفوت خبراً من هذه الأخبار أو مشهداً من هذه المشاهد إلا وتصفحه و«شيّره» وتحدث عنه فى المجالس، قال لى: «يعنى عايزنى أشوف اتنين بيتخانقوا بالمطاوى والسنج، ومقطعين هدوم بعض، وما أتفرجش».

سيعتقد البعض أن تلك الممارسة المشينة تخص مذيعين محدودين أو أشخاصاً بأعينهم من الذين تتداول أخبارهم وسائل الإعلام، ولكن للأسف فإن هذا الفهم خاطئ.

تتسع تلك الممارسة لتشمل معظم من يقدمون برامج الأحداث الجارية فى وسائل الإعلام الخاصة، وإذا دققت قليلاً، فستجد أنك تعرضت لعناوين من نوع: «وائل الإبراشى لهشام عبدالحميد: صُدمت فيك»، أو «مرتضى للميس: هاقعدك فى بيتك»، أو «عكاشة لأبوهشيمة: والمصحف ما أنا سايبك»، أو «طنطاوى لصباحى: بلاش استعباط»، أو «محمد الغيطى لأحلام: إنتى شبه شيكابالا»، أو «تامر أمين لعزة الحناوى: ما ينفعش مذيعة وزنها 150 كيلو»، أو «سيد على للحناوى: إنت ولا حاجة»، أو «الحسينى لوزير الأوقاف: رد يا بتاع ربنا».

يعنى هذا أن الأمر يشمل المذيعين المشهورين الذين يتصدرون قوائم المشاهدة، وهؤلاء المغمورين الباحثين عن موطئ قدم، كما يشمل هؤلاء المتعلمين تعليماً جيداً متخصصاً، وهؤلاء الذين لم يحصلوا على حظ مناسب من العلم، كما يتضمن السب، والقذف، والطعن فى الأعراض، والخوض فى الحياة الشخصية، وإثارة الكراهية، والتمييز، والعنصرية.

تذكرنا هذه الحالة التى وصل إليها إعلامنا بحالة الإعلام المصرى فى مطلع القرن الماضى، حين كانت الإذاعات الأهلية تعمل من دون ضابط ولا رابط، حيث أدى الانفلات وغياب القواعد إلى إطلاق إذاعات خاصة امتلكها تجار وسماسرة وبعض أصحاب الأنشطة المشبوهة، وهى الإذاعات التى حولت الأثير لاحقاً إلى ميدان للسباب والطعن فى الأعراض وتسهيل ارتكاب الجرائم.

إن استمرار حالة الإعلام الخاص على ما هى عليه الآن يعنى ببساطة أن يتحول هذا الإعلام إلى ساحة للشتائم وارتكاب الجرائم، وهو أمر سيفقد الجمهور الثقة فى وسائل الإعلام الوطنية، وسيدفعه إلى اللجوء إلى منابر بديلة، كما سيؤجج النزاعات والفتن الاجتماعية، وسيغرق المجال العام فى الصراع والخطل.

يتفق عدد من عقلاء المجالين العام والإعلامى على خطورة هذه الممارسات القبيحة والمنفلتة، لكنهم لا يذكرون بوضوح أن السبب فى تفشى تلك الظواهر الخاطئة هو تخلينا عن إرساء قواعد مهنية رشيدة ملزمة، تحول دون خلط المذيعين فى برامج الأحداث الجارية بين الرأى والخبر.

وببساطة شديدة فإن خطأ الزميلة عزة الحناوى لا يتمثل فى كونها انتقدت الرئيس، ولكنه يتمثل فى كونها قدمت رأيها حين كان لزاماً عليها أن تعرض وجهات نظر الآخرين.

فى برامج الأخبار والأحداث الجارية، على القنوات العامة، أو القنوات التى تدعى الموضوعية والمهنية، لا يجب أن يقوم المذيع باستغلال الشاشة لعرض آرائه وخوض معاركه وإملاء أوامره، ولكن يجب أن يعرض قصصاً وأخباراً ووجهات نظر متباينة ومتوازنة على الناس.

ولذلك، فإن الزميلة عزة أخطأت حتى لو كانت استغلت «الميكروفون» للإشادة بالسيسى، والخطأ سببه أنها تحولت من صحفية أو مذيعة إلى ناشطة سياسية أو صاحبة موقف تسوق آراءها عبر التليفزيون العام.

علاج الأزمة الإعلامية الراهنة، التى قادتنا إلى هذا المستنقع، يستلزم أن نفصل بين المذيع وصاحب الرأى والناشط السياسى، وأن نغل يد المذيعين عن استخدام منابر الإعلام فى معاركهم الخاصة، وأن نتوقف عن دعم الممارسات الحادة والمشينة بمشاهدتها، وقراءتها، و«تشييرها»، والحديث عنها.

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية