x

د. ياسر عبد العزيز امتحان «السوشيال ميديا» د. ياسر عبد العزيز السبت 05-03-2016 21:44


تعطى مواقع التواصل الاجتماعى لمستخدميها صلاحيات غير قابلة للمنافسة من أى وسيلة إعلام جماهيرية، إذ تمكنهم من انتقاء الأخبار، وصياغتها، وتأطيرها، وبثها خلال ثوان معدودات، طالما كانوا يمتلكون هواتف جوالة ذكية، أو أياً من الوسائط التقنية الأخرى، وصلة لـ«الإنترنت».

يمكن ملاحظة أن نسبة استخدام مواقع التواصل الاجتماعى كمصدر للأخبار تزداد باطراد فى ظل سخونة الأوضاع السياسية من جهة، وكلما تعرض الإعلام النظامى لتضييق أو استهداف من السلطات من جهة أخرى.

وقد شهدت السنوات القليلة الفائتة اتجاهاً من قبل السلطات فى أكثر من دولة عربية إلى استهداف «مدونين» و«مغردين» باتهامات وأحكام بالسجن بأكثر مما يحدث مع الصحفيين والإعلاميين الذين يمارسون عملهم فى وسائل الإعلام النظامية.

تزيد نسبة مستخدمى مواقع التواصل الاجتماعى فى الدول التى تشهد انغلاقاً فى إعلامها النظامى، وترتفع نسبة المحتوى السياسى فى «تويتر» بشكل مطرد، ويزيد ميل السياسيين والقادة من جميع الأطراف إلى استخدامه فى إنتاج الأخبار وبثها وتداولها ومتابعة تطورات الرأى العام ومحاولة تقصى ما يطرأ على الوعى الجمعى من تغيرات.

فى مقابل الميزات الكبيرة التى تتيحها مواقع التواصل الاجتماعى لمستخدميها، خصوصاً على صُعد السرعة والإيجاز والبلورة وإمكانات البحث وقدرات التعبئة والتوجيه، ثمة الكثير من السلبيات والاعتوارات، فتلك الوسائط لا تُخضع المحتوى الذى تبثه لأى شكل من أشكال التقييم أو المراجعة، ولا تُلزم من يبث هذا المحتوى بأى قدر من الالتزام، سوى ما يقرره طوعاً لذاته.

يسهل جداً نقل الأخبار عبر مواقع التواصل الاجتماعى من دون أى قدر من التوثيق، وفى أحوال عديدة لا يتم نسب تلك الأخبار لأصحاب الحسابات التى تم بثها من خلالها، وكثيراً ما يتم نقلها باعتبارها «حقائق لا تقبل الدحض»، كما يسهل طبعاً أن يتنصل صاحب الحساب من الرأى أو المعلومة أو التقييم الذى بثه قبل قليل بداعى أن «الحساب تمت سرقته»، أو أنه «لا يمتلك حساباً من الأساس».

تمثل مواقع التواصل الاجتماعى رصيداً إخبارياً معتبراً، خصوصاً فى ظل أجواء التعتيم والاستبداد التى تغل يد الإعلام النظامى، لكنها أيضاً تعد ميداناً خصباً لاختلاق الوقائع وتشويه الحقائق وبلورة المشاعر الغاضبة وشن الحملات الدعائية، وأحياناً بث الكراهية.

يجب أن يلتزم الصحفيون الذين يعتمدون على تلك الوسائل خلال تغطياتهم فى أوقات الغموض والنزاع بالقواعد المهنية والأخلاقية المناسبة فى هذا الصدد، وفى مقدمتها ضرورة تحرى الدقة، والنسب إلى مصادر واضحة كلما أمكن، ووضع الأحداث فى سياقها، إضافة إلى التثبت من الصور والفيديوهات وأوقات تسجيلها وتصويرها، وتقصى ما إذا كانت قد تعرضت لأى عمليات لتغيير محتواها بغرض إحداث تأثير معين غير موضوعى.

وفى كل الأحوال، فإن الاعتماد أحياناً على مواقع التواصل الاجتماعى فى معرفة ما يجرى، خصوصاً فى أوقات الغموض أو الحروب والنزاعات، قد يكون ضرورياً فى ظل غياب الإفادات التى تأتى عبر صحفيين محترفين، لكن هذا الاعتماد يجب أن يكون حلاً أخيراً من جهة، كما يجب أن يتم بحذر شديد، وبعد تحرٍّ وتدقيق من جهة أخرى.

لقد منحتنا وسائل التواصل الاجتماعى فرصاً عديدة حين قصرت المسافات، وسهلت الاتصالات، ونقلت الأفكار والصور، وعززت مفاهيم الحداثة، لكن فى مقابل هذه الميزات والفرص الكبيرة ظهرت المخاطر الفادحة، ومنها تأجيج النزاعات، والتحريض على العنف، وإشاعة خطاب الكراهية، والخضوع لـ«الميليشيات الإلكترونية»، التى تستخدمها كأداة للتعبئة والحشد والاغتيال المعنوى أحياناً.

ستشهد السنوات القليلة المقبلة اختباراً قاسياً لتلك الوسائل ومستخدميها، فإما أن تستطيع أن تطور وسائل للالتزام الطوعى الذاتى، بما يحد من أخطائها، ويعزز أداءها الإخبارى والاجتماعى، وإما أن تستسلم للممارسات الحادة والمنحرفة، فتصبح مصدراً للشائعات، وأدوات للتخريب، وتقويض أركان المجتمعات وهز سلمها الأهلى، والعبث بمقدرات الأفراد والدول.

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية