«تكريمكم هذا قيمته عندى أغلى من كل الجوائز التي تلقيتها، ذلك أنه أتى من جماعة شابة نقية، تحمل لنا الأمل في إعلام أفضل من ذلك الذي يسممنا الآن.
أملى وثقتى أن تظلوا على ما أنتم عليه، عنوانا للثقة وشعلة لا تنطفئ.
أرجوكم ألا تيأسوا مهما تدنى المشهد الإعلامى حولكم، تمسكوا بالقيم التي أرسيتموها في بيانكم عام 2014، قيم النزاهة والموضوعية والدقة والإنصاف.
واصلوا تحريضكم على التغيير والإصلاح والتحديث والنهضة، ومشاغبة الداعين إلى التحنيط والتقديس والاستقرار الذي يغتال التقدم والحركة.
لا تخادعوا ولا تداهنوا وقولوا كلمة الحق إذا جار السلطان.
اصدقوا الناس في قولكم، ولكى تصدِقوهم اصدِقوا أنفسكم، تواضعوا دون مذلة، وثقوا في أنفسكم دون غرور.
إذا خالفكم أحد في الرأى تفهموا دوافعه، وإن خاصمتم فخاصموا بخلق، وإن انتقدتم فانتقدوا بعفة. إن أخطأتم فاعتذروا وصححوا الخطأ بتبيان الحقيقة.
حافظوا على الحريات، وعلى مبادئ الأديان، وعلى الأخلاق العامة، وعلى الانتماء الوطنى، وعلى إشاعة الثقافة، وعلى حماية اللغة العربية، وعلى توطيد أركان العلم، وانبذوا إعلام الإثارة والخزعبلات والدجل والجنس والفضائح، واحترموا مواثيق شرف المهنة، حتى وإن رأيتم من حولكم بعضا ممن يسمون أنفسهم نجوم الإعلام يتنابزون ويتبارزون بالسباب والسفالة والصوت العالى، فلا يخدعنكم أحد أن هذا هو الطريق إلى المجد. أنتم لستم وحدكم.. كثيرون معكم يسيرون في نفس الاتجاه.
انظروا يمينا ويسارا في هذه القاعة ستجدونها ملأى بوجوه لشباب ناهض مفعم بالحماس.. أنتم وهؤلاء سوف تنتصرون على اليأس، وعلى الوجوه الكالحة التي تطل من الشاشات كل ليلة، وليس لديها إلا بضاعة الخسة والحقد والتلون، والتعالى الزائف وتشويه الحقيقة.
أنتم الرجاء للخلاص من كل هذا وغيره.. أنتم الأمل.
حمدى قنديل.. 11 فبراير 2016»
بتلك الكلمات، عبر الإعلامى القدير الأستاذ حمدى قنديل عن مشاعره إزاء تكريم مجموعة «ميديا توبيا» الإعلامية له، لكنه في الوقت نفسه قدم لنا جميعاً ما يمكن وصفه بـ «خريطة الطريق» التي نحتاجها لنخرج من النفق المعتم الذي يراوح فيه إعلامنا.
«ميديا توبيا» هي تجمع شبابى، يقوده ويرشده الإعلامى المحترم الدكتور محمد سعيد محفوظ، ويهدف إلى إعداد مواهب إعلامية مميزة، تنتهج ممارسات مهنية بناءة تنسجم مع المعايير الدولية، وتحترم أخلاقيات العمل الصحفى وقواعده.
وقد رأت «ميديا توبيا» أن تكريم الأستاذ حمدى قنديل يمثل تكريساً لكل القيم النبيلة التي تأسست عليها وعملت من أجلها.. وهى بالطبع محقة في ذلك.
لقد كنت خارج مصر، حين أقامت «ميديا توبيا» الحفل الذي شهد تكريم قنديل، ولذلك فقد حرصت على أن أتابع الكلمة التي ألقاها على هامش تكريمه، فوجدت أنها تحوى تعبيراً صادقاً مفعماً بالحس المهنى والوطنى والأخلاقى.
إن تلك الكلمة، على تركيزها وبساطتها، تختصر داء إعلامنا، وتلخص دواءه، وتحذر من خطورة الاستسلام للممارسات الرديئة، لكنها في الوقت ذاته تفتح باباً للوعد والأمل.
ورغم تلك الأهمية التي تنطوى عليها الكلمة نفسها، فضلاً عن رمزية من تلقى التكريم، وأهلية من استضافه وكرمه، فإن أحداً تقريباً لم يهتم بنشرها أو نقلها أو التعليق عليها، إلا فيما ندر، في مقابل فيضان من القصص والموضوعات المسفة والمبتذلة، التي يحرص إعلامنا على عرضها على مدار الساعة.
لذلك، فإن الأستاذ قنديل سيسمح لى بإضافة بسيطة إلى ما قاله في كلمته الملهمة؛ إذ ظل يركز على عوار الممارسة، انطلاقاً مما يعرضه الإعلام وينقله إلى ساحة النقاش العام، أما أنا، فسأضيف إلى ذلك أن خللاً أكبر يقع بسبب القضايا والقصص التي يتم حجبها عمداً؛ إذ يرسى هذا الإعلام أجندة أولوياته، فيقرر تجاهل كل شىء له قيمة.. والتعتيم على كل شىء بناء وصادق.