x

أنيسة عصام حسونة دعونا نخرج من خنادق «الخصوصية» أنيسة عصام حسونة الأربعاء 16-03-2016 21:31


يلاحظ الكثيرون، وأنا منهم أن المصريين بصفة عامة قد تزايدت لديهم، بمعدلات غير مسبوقة، درجة الحساسية ضد أى انتقاد يوجه إليهم داخليا أو خارجيا حول أى من قضايا الشأن العام المصرى وبالتالى فإنه عند سماعهم لأى انتقاد أيا كان مجاله أو موضوعه نجدهم يقفزون فورا للتمترس فى خنادق الدفاع عن مصر المحروسة بالحق أو بالباطل، مشهرين أسلحة الهجوم المضاد ومستخدمين الذخائر المتوارثة المتفاخر بها عبر العصور من عينة «خصوصية» الحالة المصريّة التى لا يفهمها الآخرون أو«المظلومية» التاريخية التى يتعرض لها المصريون بسبب تفوقهم وأفضليتهم ودورهم، ناهيك عن أحاديث «المؤامرة» الكونية للقضاء على فرص التقدم فى مصرنا وقلق الآخرين من ناحيتنا على أساس اعتقادنا أننا أفضل منهم، وأخلاقنا أحسن من أخلاقهم، وحضارتنا أقدم من حضارتهم.. وهلمّ جرا، وأنا بطبيعة الحال فخورة بمصريتى وهويتى الثقافية، بالرغم من أن هذه الهوية على وشك التآكل بسبب غياب المشروع الثقافى المصرى منذ عقود طويلة، لكننى لا أتفق مع فكرة أن انتقاد مصر والهجوم عليها هو دائما مغرض أو خاطئ، أو له أجندة شريرة، فجميع الشعوب والدول والمجتمعات لها أخطاؤها وممارساتها المعيبة، ومصر العزيزة ليست استثناءً من ذلك وليست هى أو مؤسساتها أو أجهزتها منزهة عن الخطأ، أو لا يأتيهم الباطل من بين أيديهم أو من خلفهم، ولذلك يجب علينا جميعا أن نتمهل قبل القفز إلى النتائج وأن نُعمِل العقل قبل إصدار البيانات الحماسية، والأحرى بنا أن نستخدم المنطق المستند إلى الحجج والبيانات الموثقة فى تفنيد ما نحس أنه ظلم، قد وقع علينا، أو إذا كنا نعتقد أننا ضحية لمعايير مزدوجة ولكننا فى ذلك كله يجب أن نستخدم لغة العقل البارد الذى يتجنب استخدام حديث العواطف الجياشة أو الانفعال المبالغ فيه، أو الحماسة الشعبوية وذلك حتى نستطيع إقناع الآخرين بسلامة منطقنا وكسب تأييدهم لنا وتفهمهم لمواقفنا ودعمهم لقضايانا.

ولا يحتاج الأمر إلى التأكيد على أن تبنينا لهذا المنطق المتمهل المتسم بالعقلانية لا يعنى أن موقفنا أضعف من خصومنا أو أننا نرضخ للضغوط المحلية أو الدولية، بل العكس هو الصحيح، لأن مثل هذا المنهج العملى يعنى أننا قادرون على فرض منطقنا بالهدوء وباستخدام الدلائل المثبتة الدامغة، وليس باللجوء إلى العبارات والشعارات المرسلة، كما أن ذلك بلا أدنى شك يدل على مدى ثقتنا بمواقفنا وقدرتنا على تناول أمورنا وقضايانا بما يخدم مصالحنا ولا يؤثر سلبا على علاقاتنا وتحالفاتنا، بل ينعكس إيجابا على الدور الذى تطمح مصر إلى القيام به إقليميا بوصفها الوسيط النزيه الذى لا يمكن الاستغناء عنه فى أية جهود تسعى إلى تسوية النزاعات فى منطقتنا المشتعلة دائما وأبدا بالصراعات.

ولذلك كله دعونا نتخلّ عن التخندق والتمترس والتحفز استعدادا للدفاع بشراسة عما نفترض أنه «خصوصية» مصرية لا يفهمها ولا يقدرها الآخرون، فلا شىء يخفى فى هذا العالم المتصل بشبكات عنكبوتية تعكس بالحق أو بالباطل كل ما يحدث فى العالم ثانية بثانية، دون أسرار أو خفايا، وفى مثل هذا العالم نحن نحتاج إلى تقديم أنفسنا بالشكل الإيجابى الصحيح، ومثلما يتضمن ذلك الدفاع عن سياساتنا وممارساتنا التى تتفق مع صحيح القانون وتحترم الكرامة الإنسانية فإنه يتضمن أيضا الاعتراف بالأخطاء عندما تحدث والاعتذار عنها كلما تطلب الأمر ذلك، فقواعد العدالة والشفافية ومحاسبة المخطئ ليست بها «خصوصية» بل هى قواعد إنسانية يجب أن يحترمها المصريون قبل الآخرين.

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية