x

مجدي الجلاد فائض القوة..! مجدي الجلاد الثلاثاء 15-03-2016 21:29


هل ثمة علاقة - مع الفارق طبعاً - بين ما حدث للإخوان والمستشار أحمد الزند وتوفيق عكاشة.. وبعض ضباط وأمناء الشرطة.. والإعلاميين؟!

شغلنى هذا السؤال طوال الفترة الأخيرة.. ربما لأننا جميعاً نصاب بالدهشة لما يحدث.. وربما لأننى مُغرم دائماً بتحليل النفس البشرية.. باعتبارها المحرك الأساسى للسلوك.. والقرار.. والكلام أيضاً..!

مبدئياً.. دعونا نتفق أن هذا التحليل لا يعنى على الإطلاق الربط سياسياً بين هؤلاء.. فالزند والإخوان عدوان لدودان.. و«الجماعة» والشرطة بينهما حرب معلنة.. وعكاشة والزند نقيضان.. غير أن جميعهم - وفقاً لوجهة نظرى - سقطوا فى فخ «فائض القوة».. ومعهم - قطعاً - أطراف عدة.. ربما أكون أنا وأنت من بينهم..!

فى الطب النفسى.. هناك أمراض كثيرة هى فى الغالب حكر على أصحاب السلطة: جنون العظمة.. إدمان السلطة.. التعصب والعنصرية.. تضخم الذات ومركزيتها.. وإدمان السلطة.. ولكن «فائض القوة» ظاهرة إنسانية سادت بيننا خلال السنوات الأخيرة..!

كرسى السلطة ليس كأى كرسى.. لا يصنعه نجار ولا حتى نحات.. ثمة متخصصون يحترفون صناعة كراسى الحكم.. ستجدهم دائماً فى بلاط الرؤساء والملوك.. وكل من تُستمد منهم سلطة أو نفوذ..!

الرئيس.. أى رئيس.. الملك.. أى ملك.. ليس وحده ضحية «فائض القوة».. لأنه - ببساطة شديدة - ليس وحده صاحب السلطة فى الدولة أو المملكة!

سقط «الإخوان» لأنهم صعدوا لـ«كرسى الحكم» فى لحظة مفاجئة.. عاشوا 85 عاماً تحت الأرض.. وفى أشهر قليلة وجدوا أن الطريق إلى القصر مفروش بتخاذل الآخرين.. صدقوا أنهم الأقوى والأقدر والأكفأ.. دون أن يدركوا أن «تنظيم القوة» هو مسوغ استمرارهم.!

كان «الإخوان» الأقوى بالفعل على الساحة.. غير أنهم ارتكبوا خطيئة استدعاء «مخزون القوة» بالكامل.. فاصطدموا بكل السلطات - الجيش والشرطة والقضاء والإعلام - واعتقدوا أن «قوة التنظيم»، وقوة الدعم الخارجى كفيلتان بحسم المعركة لصالحهم.. فكان السقوط مدوياً وقاصماً..!

«فائض القوة» خدع «الإخوان» قبل 30 يونيو.. و«فائض القوة» خدع خصوم «الإخوان» بعد 30 يونيو..!

لم يتعلم «الزند» من درس «الإخوان».. ولم يتوقف بالتحليل أمام ما حدث لـ«توفيق عكاشة»..!

«عكاشة» ليس ساذجاً ولا «عبيطاً» كما يظن البعض.. هو اختار لنفسه جمهوراً لا يحدثه أحد.. يجلس معهم على «المصطبة» فى «الدوار».. هم يفهمونه جيداً.. وأنت تشاهده تضحك.. نجح الرجل فى جذب انتباه الجميع.. سواء من يرونه بسيطاً مثلهم.. أو من يتندرون عليه فى القصور والمنتجعات..!

«عكاشة» كان قوياً.. وإلا ما استطاع حشد عشرات الآلاف فى تظاهرات ضخمة ضد «الإخوان» قبل 30 يونيو.. ثم تعاظمت القوة - داخله على الأقل - حين حصل على أعلى الأصوات فى انتخابات مجلس النواب.. لم يفهم الرجل أن «قوته» حقيقية ووهمية فى آن: هو يمتلك قاعدة واسعة من المشاهدين.. نعم.. ولكنهم غير مؤثرين، لأنهم من الجالسين على «المصطبة».. وهو أيضاً لم يدرك أن دوره فى «30 يونيو» انتهى.. فاضت «قوته» الزائفة فأعمت عينيه وحجبت عقله..!

«فائض القوة» لدى «عكاشة» جعله يتوهم أن «رأسه برأس السيسى».. فقالها صريحة واضحة «أنا والسيسى زعيمان وشريكان فى إنقاذ مصر».. و«فائض القوة» دفعه لترشيح نفسه لرئاسة البرلمان.. و«فائض القوة» كان ثالثهما.. إذ هو على مائدة العشاء مع سفير الكيان الصهيونى!

سقط «عكاشة» لأنه لم يدرك أن دوره السياسى انتهى بعزل «مرسى».. وعليه أن يعود إلى «المصطبة».. سقط صاحب «الفراعين» حين توهم أن «الزعامة» تحتمل القسمة «على اتنين»..!

«الزند» أيضاً بداخله «زعيم مكبوت».. لعب دوراً مهماً فى «30 يونيو».. فرأى نفسه فوق السحاب.. رئاسة نادى القضاة ضيقة عليه.. وكذلك «وزارة العدل».. نجوميته لم تتوفر لقاض قبله.. فاضت «قوته» فى وقائع عدة.. بدءاً بـ«فرعنة»: نحن - القضاة - أسياد ودوننا هم العبيد.. مروراً بالتلويح بقانون يسجن آباء وأمهات الإرهابيين.. وانتهاءً بـ«زلة لسان»: «النبى عليه الصلاة والسلام»..!

لم يسقط «الزند» بـ«زلة اللسان» الأخيرة.. وإنما أسقطه «فائض القوة»، وتضخم حجمه على «الكرسى» الذى يشغله.. هو أيضاً لم يدرك أن «الزعامة» لا تقبل القسمة «على اتنين».. غير أنه - وأنا أحبه وأقدره - أصابته أعراض السلطة المطلقة..!

سألت العالم الكبير الدكتور أحمد عكاشة، أستاذ الطب النفسى: ماذا تفعل السلطة المطلقة فى صاحبها؟!.. لم أذكر له «الزند».. وهو لم يتحدث عنه.. ولكنه روى لى تجربة نفسية رائعة أجرتها جامعة «ستانفورد» الأمريكية: أتى العلماء بمجموعة من المتطوعين.. خضعوا جميعاً للفحص النفسى.. وثبت أنهم أصحاء تماماً.. تم تقسيمهم إلى مجموعتين: الأولى تلعب دور المساجين.. والثانية تقوم بمهمة السجان.. كان على الفريق الأول أن يلتزم بجميع الأوامر والتعليمات.. وحصل الفريق الثانى على «السلطة المطلقة» فى التعامل مع «المساجين».. فماذا كانت النتيجة؟!

بعد أسبوع واحد.. أصيب «المساجين» بالانهيار.. وصرخوا «إحنا هنتجنن ومش عايزين نكمل التجربة».. ولكن الأغرب أن «السجانين» كانوا يصرون على استكمال التجربة.. توصل العلماء إلى أن الإنسان حين يحصل على «سلطة مطلقة» يشعر بلذة غير طبيعية توازى لذة «الهيروين».. لأن المخ يفرز «أفيون» بمعدلات أعلى بكثير من المعدل الطبيعى.. لاسيما إذا كانت «السلطة» دون محاسبة أو شفافية أو معايير.. ومن هنا جاء مصطلح «متلازمة السلطة»..!

يستطرد «عكاشة» العالم وليس «توفيق»: من هنا أيضاً يمكننا تفسير تشبث أحدهم بالسلطة.. فهو يستعذب تلك السلطة، ولا يريد تركها.. وهناك أمر آخر يسمى «الانفلات الكلامى والنفسى».. الفص الأمامى للمخ هو المسؤول عن «الصح والخطأ».. الحلال والحرام.. وتأجيل اللذة.. وحين يتأثر هذا «الفص» يقول المرء كلاماً، ثم يعتذر عنه.. هو لا يدرك لماذا قال ذلك..؟!

وثمة نوع آخر من «زلات اللسان».. هى تحدث من شخصيات تسمى بـ«الشخصية الانفجارية».. فحين ينفعل الشخص أو يتحمس يأتى بكلام أو سلوكيات لا يمكن أن يأتيها وهو فى لحظة طبيعية.. وتسمى الحالة فى هذه اللحظة لـ«الانفجارية».. والحالة هنا ليست وليدة لحظة.. وإنما هى سمة تلازم الشخص طول حياته..!

انتهى كلام د. عكاشة.. دون أى ذكر لـ«الزند»!

لا أعرف فى أى اتجاه طغى «فائض القوة» لدى «الزند» فى تصريحاته «العنترية» المتكررة.. ولكن ما أعرفه أننا خسرنا رمزاً وطنياً وقامة قضائية بسبب «نداهة القوة»..!

نحن معشر الإعلاميين.. نسقط كثيراً فى ذات «الفخ».. الواحد منا يظهر على الشاشة كل ليلة متزناً ومتواضعاً فى البداية.. وحين يمتلئ «هاتفه» برسائل الإشادة والتفخيم والتضخيم لدوره «الوطنى».. يتحول إلى «زعيم سياسى».. وتدريجياً تضيق «الشاشة» عليه.. ويتخيل نفسه فى «ميدان التحرير» وسط الملايين.. «فائض القوة» يجعل الإعلامى فريسة سهلة للسقوط سواء بـ«زلة لسان» أو بنشر الفضائح.. إنها «السلطة المطلقة» دون محاسبة ولا شفافية ولا مساءلة..!

«الكرسى» عند السياسى، و«الشاشة» لدى الإعلامى، و«الجماهيرية» داخل الشخصية العامة، توازى «السلاح» فى «خصر» الضابط أو أمين الشرطة.. دفتر المحاضر وزنزانة قسم الشرطة «سلطة مطلقة».. و«فائض القوة» يصيب المواطن القادم من أعماق المجتمع بـ«الخلل».. أنت تنظر إليه بعد حصوله على «السلطة المطلقة» فلا تعرفه.. وتسأل نفسك: هل هذا فلان الذى أعرفه منذ الطفولة؟!

ليس هو يا سيدى.. صديقك أو جارك «مات».. هذا شخص آخر: لديه «سلطة مطلقة».. يعانى من «فائض قوة» لابد من «تصريفه».. ولكنه فى كل الأحوال يثير الشفقة.. صلوا من أجله.. وأخلصوا له الدعاء..!

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية