x

وليد علاء الدين القاضي المناسب للحكم المناسب! وليد علاء الدين الإثنين 14-03-2016 22:50


هل تنتصر للأخلاق أم للحرية؟

هكذا يبدو الصراع الدائر بين السلطة والمثقفين في مصر على خلفية الحكم القضائي بحبس روائي عقابًا له على ما ورد في فصل من روايته بعد أن نشرته إحدى الصحف المتخصصة في الأدب.

هنا لا أحاول الانتصار لا للأخلاق ولا للحرية، إنما أحاول مناقشة فكرة العدالة.

ما حدث هو أن أحد المواطنين المصريين اعتبر أن في النص الروائي المنشور ما يخدش الحياء العام، فتقدم ببلاغ ضد الروائي ورئيس تحرير الصحيفة، وتمت إحالتهما معًا للقضاء.

المثير أن محكمة أول درجة حكمت ببراءة الروائي ورئيس التحرير، ليس هذا فقط، بل تضمن حكم البراءة نصًا بليغًا أرى من الواجب تدريسه لأبنائنا في المدارس، إذ كتب القاضي: «كما أن المحكمة ترى أن تقييم الألفاظ والعبارات الخادشة للحياء أمر يصعب وضع معيار ثابت له؛ فما يراه الإنسان البسيط خدش للحياء، يراه الإنسان المثقف أو المختص غير ذلك، وما يراه صاحب الفكر المتشدد خدشًا للحياء لا يراه صاحب الفكر المستنير كذلك«.

لا أعرف إن كان هذا النص المستنير لم يرق لأحدهم في النيابة العامة فقرر الاستئناف، أم أن النيابة يجب أن تستأنف -كتقليد روتيني لا علاقة له بمضمون القضايا- المهم أن قاضي الاستئناف رأى في الأمر نقيض ما رآه زميله قاضي الدرجة الأولى، فحكم على الروائي ورئيس التحرير بأقصى عقوبة وهي الحبس سنتين للأول وغرامة 10 آلاف جنيه مصري (حوالي ألف دولار) للأخير. وانطلقت حيثيات حكم الأخير من زاوية مغايرة تمامًا لحيثيات زميله، إذ رأى في النص المنشور «مادة كتابية نفث فيها شهوة فانية ولذة زائلة، وأجّر عقله وقلمه لتوجه خبيث حمل انتهاكًا لحرمة الآداب العامة، وحسن الأخلاق، والإغراء بالعهر خروجًا على عاطفة الحياء«.

القضية هنا – بالنسبة لي- ليست قضية نص لا يعجبني بينما يعجبك، يتفق مع ذوقي ويعارض ذوقك، ولكنها قضية هذه المساحة الشاسعة الفضفاضة التي يمكن للقضاء أن يمرح فيها من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار، من الأسود إلى الأبيض وما بينهما من تدرجات الرمادي، فلا تعود تعرف معها، متى ومِنْ أين وكيف ولماذا يمكن أن يُصدر القاضي حكمه!

أزمة الإنسان التاريخية مع النصوص الدينية يمكن تلخيصها في أنها نصوص مفتوحٌ معظمُها على التأويل، وهو أمر مقبول على اعتبار أنها نصوص يُفترض فيها مخاطبة كل البشر في كل الأزمنة، ولذلك فهي مجهزة لتحتمل الكثير من المعاني وأطياف المعاني، فيتسع المعنى -أو يضيق- حسب مقتضيات مصالح البشر عبر العصور، ولذلك فليس من الغريب أن تجد عدة أشخاص يفعلون عدة أمور – تبدو متعارضة- منطلقين من فهم كل منهم للنص الواحد؛ فقد أعملَ كل منهم عقلَه وفق معطيات عصره وأخذ بالمعنى الذي يتفق وموقفه الحضاري أو الفكري أو الاجتماعي من دون أن يخل بالإطار العام، ومن هنا تعددت المذاهب والطوائف التي يُفترض بها جميعًا أن تعيش معًا في سلام.

إلا أن هذه الروح المنفتحة على التأويل التي ميزت النصوص المقدسة، هي نفسها التي حدت بالبشر على مدار التاريخ إلى محاولة الوصول إلى دساتير وقوانين وأعراف وضعية تتسم بقدر أعلى من التوافق حول الدلالات المقصودة منها، وتضيق فيها مساحات التأويل إلى أقصى حد ممكن، حتى تكون أداة موضوعية مجردة، وبالتالي عادلة.

وعليه فإن الصفة التي تبدو شرطًا منطقيًا لا ينبغي التنازل عنه في كل قانون وضعي هي أن تتقلص مساحة تأويله إلى القدر الذي لا يتحول معه من أداة عدل موضوعية في يد قاض، إلى أداة لتحقيق رؤية القاضي؛ فإذا كان رجلًا منفتح الفكر والعقل إنساني الثقافة رفضَ معاقبة صاحب رأي على رأيه، وإذا كان محددًا بإطار فكري لا يرى خارج حدوده قضى بأقصى عقوبة على كل صاحب رأي يخالف رؤيته.

على القوانين أن تكون محددة المعانى لتندر حالات الخلاف في فهمها، وبالتالي لا تتسع ظلال تطبيقها لتسع الجنة والنار معًا، لأنها بذلك تتحول إلى أدوات تحقيق وجهات نظر البشر وليس تحقيق العدالة، ويتحول الأمر إلى لعبة تديرها السلطة –من دون التشكيك في نزاهة القضاة- ولكن يكفي في هذه الحالة اختيار القاضي المناسب للحصول على الحكم المناسب.

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية