كثر الحديث فى الآونة الأخيرة عن الانتخابات الرئاسية المبكرة، أبرزها أو ما أثار اهتمامى هو ما صدر عن أحد مقدمى البرامج التليفزيونية التى يفضل الرئيس التحدث إليها، تناول ما سماه البحث فى الغرب عن رئيس مدنى لمصر، على حد قوله، وأن هناك ما يشبه استطلاعات الرأى بين العرب عموماً فى هذا الشأن، أيضاً أحد كتاب المقالات الذين يلتقى بهم الرئيس بين الحين والآخر أكد أن هناك ضغوطاً غربية على الرئيس للتنحى دون استكمال مدته، تمهيداً لانتخابات مبكرة.
كيف يمكن تفسير هذا الطرح من مقربين للرئيس تحديداً، طرح التنحى موجود بصفة عامة ومبكراً، وعلى نطاق واسع بين قوى مختلفة، ثورية، وليبرالية، وبالطبع إسلامية، إلا أنه حينما يصدر بعد ٢٤ ساعة من نفس البرنامج الذى تحدث له الرئيس، أو من نفس الكاتب الذى يتحدث معه، فمن المهم التوقف والانتباه، هل هذا ما أراد الرئيس توصيله للرأى العام، ليس من خلاله، إنما من خلال آخرين، ما هو الهدف فى هذه الحالة، هل هو الانتباه والالتفاف حول الرئيس المستهدف خارجياً، مادامت المسألة أصبحت تتعلق بالكرامة، هل هو إلهاء الناس فى قضية تستحق هذه المرة بعد العديد من القضايا الساذجة؟
أعتقد أنه لو كان هذا الأمر أو ذاك، فإننا أمام لعبة خطرة أخرى، لا تقل خطورتها عن الألعاب السابقة الأقل أهمية، ذلك لأن الرأى العام فى هذه الحالة سوف يعيش حالة ترهل وعدم اكتراث بأى تطور أو نهوض بالمجتمع، مادامت الاضطرابات قادمة، والأزمات تلوح فى الأفق، ما بالنا إذن برأس المال، أو المستثمرين، أو السياح، أو البورصة، أو العملة المحلية، أو غير ذلك من أمور كثيرة سوف تنتكس جميعها بمرور الوقت، فى ظل استمرار هذا الطرح.
لنفترض الاحتمال الآخر المتعلق بحسن النية، وأننا أمام معلومات حقيقية، قادمة من الخارج، ولم يعلم بها سوى المقربين من الرئيس، وهو أمر غريب، إلا أننا مضطرون لمناقشته، فى هذه الحالة هل من الطبيعى أن يكون التعامل مع مثل هذه المعلومات بمثل هذا الطرح المزعج لأى مجتمع، ترقبوا المجتمع على وشك تغييرات صادمة، أو أن الدولة المصرية على وشك الدخول فى متاهات لا يعلم مداها سوى الله، وأن الانفجار قادم، أو أى شىء من هذا القبيل.
البعض يحبذ التعامل مع التفسير الأول، المتعلق بتوجيهات رسمية فى هذا الشأن، وهذا التفسير يحتمل أو يتوقع أن يكون ذلك بمثابة تمهيد للقيام بإجراءات قاسية، أو عنيفة خلال الفترة القليلة المقبلة، مع المعارضين، أو المناوئين، أو الممتعضين من أسلوب الحكم، للحفاظ على أمن البلاد، وما أكثرهم فى هذه الآونة، البعض الآخر يرى أن الأمر لا يخلو من انفلات إعلامى، فى إطار الانفلات العام الحاصل بالمجتمع، التصور الثالث يذهب بعيداً بأن لا هذا الشخص ولا ذاك، ولا غيرهما حريصون على الرجل، لأى سبب، وأن الكل يهرب الآن من المركب، انطلاقاً من الصرخة الشهيرة «كلهم خانوك يا ريتشارد».
إلا أن السؤال الذى يجب أن يطرح نفسه بقوة فى ظل هذه الحالة هو: هل نحن بالفعل فى حاجة إلى انتخابات رئاسية مبكرة، هل الوضع الداخلى يحتمل ذلك فى أعقاب خمس سنوات من التوتر والقلق، والكساد، واللاأمن، والتى مازالت جميعها تلقى بظلالها على كل مجريات حياتنا، هل بالفعل تنفسنا الصعداء حتى يمكن أن نبدأ جولة ماراثونية أخرى فى اختراق ضاحية غير مأمون العواقب؟
أرى أن من حق أى فصيل أو أى شخص اعتقاد ما يشاء، أو أن يرى أن الأوضاع بصورتها الحالية قد لا تكون مرضية، بالقدر الذى كان يتطلع إليه، أو لا تكون مرضية تماما للبعض الآخر، إلا أننا فى الوقت نفسه يجب أن نعمل طوال الوقت على تحكيم لغة العقل والمنطق، فى مجتمع يترنح بغرفة الإنعاش، قد لا يتحمل أى صدمة من أى نوع، خاصة إذا أخذنا فى الاعتبار أن القائمين على أمر البلاد لن يقبلوا ذلك ببساطة، وبالتالى يجب أن نكون كشعب على استعداد لتحمل مزيد من التكاليف.
البديل إذن هو محاولة، بل ضرورة، تدارك الأمر، بإصلاح تلك الأوضاع المزرية على مختلف الأصعدة، فقد بدا واضحا أننا نسير إلى طريق الهاوية، فى ظل اهتمامات غريبة بالأقفاص السمكية، والمساكن البدوية، دون رؤية واضحة لمستقبل وطن بأكمله، ودون الاعتماد على خبراء بمستوى المرحلة، أو مسؤولين على مستوى المسؤولية، وإلا فإن الأمر يستدعى اعترافاً بالإخفاق، وانسحاباً مُهذباً وآمناً من المشهد، انطلاقاً من ضمير وطنى، وحرصاً على سلام المجتمع، ولتخسأ مخططات الفوضى الغربية.
أما إذا أخذنا بالاحتمال الأول، المتعلق بالتنسيق الرسمى مع الإعلامى فى الطرح سالف الذكر، أو بالاحتمال الثانى المتعلق بالطرح الإعلامى الخالص، أو حتى بالاحتمال الثالث الخاص بصرخة ريتشارد، فقد بدا فى كل الأحوال أننا أمام مجتمع بلا عقل، أو بمعنى أصح: مجتمع فقد عقله، وبالتالى كل المخاطر أيضاً تصبح ممكنة.