x

عبد الناصر سلامة استر يا رب عبد الناصر سلامة الأربعاء 09-03-2016 21:30


كان الله فى عون كل مواطن قرأ تصريح أحمد شيحة، رئيس شعبة المستوردين بالغرفة التجارية بالقاهرة، والذى قال فيه إن هناك توقعات بوصول سعر الدولار إلى ١٥ جنيهاً خلال الفترة القليلة المقبلة، بالتأكيد حالة الذهول التى أصابتنى هى نفسها التى انتابت جموع المواطنين، فلا يمكن أن تكون مثل هذه التصريحات تحصيل حاصل، أو فرقعة من نوع ما، ذلك لأنها صادرة عن رجل كل علاقاته تنحصر بالدولار، أو بالعملات الأجنبية بصفة عامة.

إلا أن السؤال هو: إذا كان الأمر كذلك، وإذا كانت التوقعات واضحة بهذا الشكل، ماذا فعلنا لتدارك الأمر؟ تدهور الجنيه أمام العملات الأخرى أصبح جنونياً، وفى زمن قياسى، بما يشير إلى أن هناك شيئاً ما خطأ، بل أشياء كثيرة، بالتأكيد أهل مكة أدرى بشعابها، القائمون على أمر الاقتصاد والمال هُم الأعلم بخفايا الأزمة، هل كان ضخ البنك المركزى لـ٥٠٠ مليون دولار بالمصارف، لتغطية استيراد سلع أساسية، كافياً لتدارك الأزمة؟ بالتأكيد لا، بدليل ارتفاع السعر خلال الساعات التالية لعملية الضخ، هل مضاعفة هذا الرقم بناء على طلب البعض سوف يحل الأزمة؟ بالتأكيد لا أيضاً. لماذا؟

السوق المحلية من الاتساع لدرجة تجعلها تلتهم مثل هذه المبالغ خلال ساعات قليلة، وبصفة خاصة مع عملية التعطيش الحالية التى جعلت من الورقة الخضراء عملة نادرة، يبحث عنها المستوردون بأى ثمن ولا يجدونها، ليس ذلك فقط، بل أصبح يبحث عنها كل من يكتنزون العملة المحلية لتبديلها، فى ضوء ما تشهده من انهيار، ثم الاحتفاظ به منزليا، لأسباب عديدة، من بينها عامل الأمان، وضعف العائد البنكى شهريا أو سنوياً.

الخبراء يؤكدون أيضاً أن القرارات الأخيرة بتقييد سقف الاستيراد، وتحديد سقف الإيداع النقدى، زادت من حدة الأزمة، بل وساعدت فى ترسيخ الاحتكار، وتؤدى، فى نهاية الأمر، إلى انهيار الاقتصاد، فعلى مدى العامين الأخيرين، اللذين انهار خلالهما الجنيه بهذه النسبة غير المسبوقة، لم نشهد أى قرارات أو إجراءات من شأنها احتواء الأزمة، أو أدت إلى الحد منها بأى شكل من الأشكال، بل على العكس، كانت كل القرارات تصب فى اتجاه مناهض.

لم يكن، حتى قبل يومين، من حق المواطن إيداع أو سحب ما يريد من مدخراته لأى سبب من الأسباب، يجب ألا يزيد السحب أو الإيداع اليومى عن عشرة آلاف دولار، بعض المواطنين لا يستطيعون تسلم التحويلات من الخارج بالعملة الأجنبية التى تم التحويل بها، عليهم تسلمها بالعملة المحلية، وبالسعر الرسمى، الفارق أصبح كبيراً جدا بين سعر الدولار بالبنوك، والسعر بالسوق السوداء، بما يصل إلى نحو ٢٥٪‏، هى كارثة أخرى، كُنا قد تخلصنا منها منذ أول عملية تعويم للجنيه فى عام ١٩٨٧، شركات وبنوك أجنبية كثيرة أغلقت أبوابها، أخرى أكثر فى الطريق، الدولار أصبح عملة رسمية داخل الوطن، يجب التعامل به مع مدارس وجامعات وشركات طيران وسفارات.

إلى جانب كل ذلك، أصبح هناك الكثير من رجال الأعمال الذين يحجمون عن العمل، نتيجة أوضاع عديدة، فى مقدمتها التوجس، والإحساس بالاضطهاد، نتيجة تفضيل آخرين عليهم من المتقاعدين إياهم، الذين اقتحموا عالم الأعمال فى غفلة من الزمن، تراجع إيرادات قناة السويس، فى الوقت الذى كانت كل الآمال تتطلع إلى هناك، ولا نريد أن نتحدث عن فشل، أو فنكوش، أو ما شابه ذلك، حتى لا نُواجه باتهامات جاهزة، ربما أقلها الأخونة، تراجع تحويلات المصريين بالخارج، نتيجة عوامل سياسية تارة، وفقدان الأمل فى الإصلاح تارة أخرى، عن الدخل السياحى حدث ولا حرج.

المطلوب أيها السادة هو اتخاذ قرارات عاجلة وسريعة وفاعلة، تحبط رقم الـ١٥ جنيهاً الذى أشار إليه المسؤول سالف الذكر، بعد أن أصبح رقم العشرة جنيهات واقعاً، وإلا فإننا أمام كارثة، لا بديل إذن عن المصالحة والمصارحة، مصالحة كل طوائف الشعب، والمصارحة بالحالة كما هى، دون تجميل، ودون مراوغة، الشعب على استعداد للتضحية أكثر وأكثر، فى ظل شفافية واحترام للعقل، حتى لو احتاج الأمر إلى أن «نمّسى على مصر» بدولار هذه المرّة.

عذراً أخى القارئ، فشرّ البلية ما يُضحك، رغم أن الأمر جد خطير، ولم نعد نملك كشعب، لا حول له ولا قوة، سوى الدعاء: استر يا رب.

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية