x

ضياء رشوان الإسلام والإرهاب: أين الحقيقة؟ (3-3) ضياء رشوان السبت 12-03-2016 21:35


استكمالاً لمقالنا السابق، فالحقيقة التى يجب الإقرار بها هى أن النزوع إلى تبنى أفكار التطرف والعنف وممارسة الإرهاب من بعض الجماعات والتنظيمات المنتسبة للإسلام لا يرتبط بالإسلام على إطلاقه، بل إن العامل الرئيسى المرتبط به، والذى ساهم فى تشكيل هذا النزوع والممارسة، هو طريقة قراءة هذه الجماعات والتنظيمات لنصوص الإسلام المقدسة وتاريخه الطويل، فقد تغلب عليها الأخذ بظاهر النصوص وليس بأسباب نزولها، والجنوح نحو تعميم ما يمكن استنتاجه عنوة منها دون تمحيص عقلى أو قياس تاريخى أو موضوعى. كذلك فإن الاستغراق فى النصوص الإسلامية المقدسة دون الواقع الاجتماعى الداخلى أو السياسى الدولى، الذى من المفترض أن تتفاعل معه تلك النصوص وتؤثر فيه بالإيجاب، حال دون استيعاب تلك النوعية من الجماعات والتنظيمات لحقيقة التفاعلات المحيطة بها فى الواقعين الداخلى والخارجى، وجعلها أسيرة لنصوص قامت بتفسيرها حرفياً وبظاهرها فقط دون اللجوء لأى مناهج أخرى فى هذا التفسير والإسقاط على الواقع. وربما تكون أصول التعليم «المدنى» العام لمعظم المنتمين لتلك الجماعات والتنظيمات وليس التعليم الدينى المتخصص، على خلاف ما يتصور كثيرون، أحد أسباب عدم إلمامهم بمختلف مدارس الفكر الإسلامى وفرقه ومذاهبه بما حال بينهم وبين مقارنة ما يعتقدونه من رؤى وتفسيرات معها، فتتبين لهم مواضع الخطأ والصواب فيه.

إن الأقرب للدقة- والأكثر صعوبة أيضاً- هو وضع ظاهرة الإرهاب ضمن سياقها، والسعى للتعرف على الأبعاد البنائية والتاريخية والفكرية والسياسية والاجتماعية لها لكى يمكن استئصالها، دون اللجوء للحلول السهلة باختزالها فى دين أو ثقافة يتم الترويج بأنها مرادفة له كما يحدث مع الإسلام. إن التغاضى عن حقيقة ظاهرة الإرهاب، باعتبارها أوسع بكثير من مجرد محض ظاهرة إجرامية ينطبق عليها التحليل والتفسير الجنائى وحدهما يُعد العقبة الرئيسية أمام «نهاية» الإرهاب و«الانتصار» النهائى عليه، فبالرغم من وجود بعض الخصائص المشتركة بين ظاهرة الإرهاب وبين الظواهر الجنائية والسياسية العنيفة الأخرى، فإن ثمة خصائص متميزة له يصعب بدون التطرق إليها تحليله أو تفسير سلوك ممارسيه وتطوراته، ومن ثَمَّ مواجهته مواجهة حاسمة. وفى مقدمة تلك الخصائص المتميزة حقيقة أن اللجوء إلى الإرهاب فى معظم الأحيان يُعد حصيلة لمجموعات معقدة من الأسباب والتغيرات التاريخية والسياسية والثقافية والاجتماعية والاقتصادية التى يمكن لبعضها أن يؤدى أيضاً إلى الجريمة، ولكن اجتماعها معاً هو فقط الذى يفسر ظهور الإرهاب، وإن كان لا يبرره. والاعتراف بتلك الحقيقة والطبيعة المعقدة والبنائية لظاهرة الإرهاب لابد أن يُفضى إلى تعريف مختلف له غير ذلك المضطرب والمنحاز والذى يخلط بينه وبين الإسلام، بما يؤدى بدوره إلى وضع سبل أخرى للتعامل معه من أجل إنهائه واجتثاث جذوره الحقيقية.

ولعل التوصل لمثل ذلك التعريف الحقيقى للإرهاب، ومن ثَمَّ السبيل الأنجع لمواجهته يستلزم- قبل كل شىء- طرح السؤال البديهى الأولى، أى: لماذا ينشأ الإرهاب؟ ولماذا يمارسه كل هؤلاء فى مختلف بقاع العالم فى أوقات بعينها على اختلاف شخوصهم والظروف المحيطة بهم؟ إن الإجابة المتأنية غير المتحيزة على ذلك السؤال هى الكفيلة بتقديم التعريف والمفهوم الأدق والأكثر واقعية لظاهرة الإرهاب، وقبل هذا، الجذور التى يستمد منها وجوده وحياته، بما قد يساعد على تلمس طريق أصوب فى التعامل معها، وبالتالى التخلص منه. ولا شك أن تبرئة الإسلام من الاتهام الموجه إليه، وكذلك تبرئة كل الديانات والثقافات الأخرى التى يتهددها ذلك المنطق بنفس الاتهام، تستلزم وضع ذلك التعريف الذى يجب أن يستمد جذوره من المواثيق والمعاهدات والأعراف الدولية، وأيضاً التعاليم السمحة لكل ديانات العالم وثقافاته، وفى مقدمتها الإسلام الذى ينص بشكل قاطع على تحريم ترويع المدنيين أو قتلهم من أجل تحقيق أهداف غير مشروعة.

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية