x

ضياء رشوان الإسلام والإرهاب: أين الحقيقة؟ (1-3) ضياء رشوان الأربعاء 02-03-2016 22:03


كثر الحديث، خلال السنوات الأخيرة، عن وجود علاقة مباشرة بين الإسلام والإرهاب، بحيث أضحى كلاهما مرادفاً للآخر في الإعلام الغربى ولدى قطاعات واسعة من السياسيين والرأى العام في الدول الغربية. وعلى الرغم من أن كلا المصطلحين والمفهومين له خصائصه شديدة الاختلاف عن الآخر إلى الحد الذي لا يسمح لأحد بادعاء وجود مثل العلاقة الوثيقة المزعومة، فإن هذا الحديث تحول إلى حملات دولية واسعة راحت تدفع قطاعات واسعة من الرأى العام والنخب الثقافية والحاكمة في الغرب إلى اتخاذ مواقف وسياسات مضادة للإسلام باعتباره مرادفاً للإرهاب الكريه. وقد بدا ملحوظاً أن تلك الحملات لنشر الترادف بين الإسلام والإرهاب كان يقف ورءها أحد عاملين أو الاثنان معاً: إما الجهل بحقيقة الاختلاف بين مضمونى كل منهما، أو الرغبة المتعمدة في جعلهما متطابقين بالرغم من العلم التام باختلافهما. ولا شك أن عاملاً ثالثاً مهماً قد ساعد العاملين السابقين على لعب دورهما في خلق وترويج ذلك الترادف الخاطئ، وهو عدم وجود تعريف واضح ومتفق عليه بين أطراف المجتمع الدولى للإرهاب بحيث لا يترك المجال مفتوحاً للجهل أو للعمد للخلط بينه وبين ظواهر ومفاهيم أخرى مثل الإسلام.

والحقيقة أن فك ذلك الخلط الخاطئ والخطر بين الإسلام والإرهاب لدى الغربيين وتوضيح حقيقة العلاقة بينهما يستلزم اللجوء إلى مناهج وأساليب مختلفة يفهمها هؤلاء الغربيون وتساعدهم على اكتشاف تلك الحقيقة. وهنا يبدو ضرورياً التأكيد على حقيقة وجود بعض الجماعات الإرهابية التي تنسب نفسها للإسلام والتى تقوم بتأويل النصوص الإسلامية لكى تكون أساساً لممارساتها خلال العقود الثلاثة الماضية، إلا أن هذا لا يكفى لاختلاق ذلك الترادف بين الإسلام والإرهاب. فالحقيقة التاريخية التي يعرفها المتخصصون وغير المتخصصين هي أن الإسلام عاش نحو خمسة عشر قرناً في بقاع مختلفة من العالم، فإذا كان حقيقة مرادفاً للإرهاب فلماذا لم يكن تاريخه كله مليئاً بالقتل والترويع والدماء؟ وهو الأمر الذي لم يشر إليه قط أي مؤرخ لعصور الإسلام والمسلمين، مسلماً كان أو غربياً. كما أن ذلك الزعم يتناقض تماماً مع حقيقة انتشار الإسلام في مختلف مناطق العالم ليصبح اليوم الديانة السماوية الثانية الأكبر فيه، لأسباب معظمها يتعلق بسماحته وسعته وليس بعنفه أو بتطرفه. لقد كانت هناك بالفعل- كما يذكر هؤلاء المؤرخون- بعض فترات الاضطراب والعنف والإرهاب في التاريخ الإسلامى، ولكنها لم تكن مختلفة عن تلك التي عرفها تاريخ الديانات كلها، لأسباب تتعلق بالمجتمع وما يحدث فيه من تفاعلات وتغيرات، بما في ذلك بعض التأويلات والتفسيرات المتطرفة والمغالية لكل الأديان بما فيها الإسلام، وليس لارتباط أي دين منها، وفى مقدمتها الإسلام، بمفهوم الإرهاب البغيض.

في ظل ذلك فإن الحديث عن ارتباط دائم بين الإسلام والإرهاب اعتماداً على بعض الوقائع التي شهدها العالم في الأعوام الثلاثين الأخيرة، لا يعد فقط مخالفاً لوقائع التاريخ، بل إنه يفتح الباب لاستنتاجات وأحكام أخرى خاطئة تتعلق بأديان وشعوب وثقافات أخرى غير إسلامية. فوفقاً لنفس المنطق، أي الاعتماد على بعض الوقائع المؤقتة، هل يمكن اتهام الثقافة الألمانية الجرمانية القومية والمذهب البروتستانتى بأنهما يرادفان الإرهاب بسبب الجرائم البشعة التي ارتكبها النظام النازى والتى أودت بحياة أكثر من ستين مليون إنسان أثناء الحرب العالمية الثانية؟ كذلك فهل من الممكن توجيه نفس الاتهام للثقافة الفرنسية والمذهب الكاثوليكى اعتماداً فقط على أن الثورة الفرنسية قد اعتمدت رسمياً في نهاية القرن الثامن عشر سياسات لقتل وترويع مواطنيها سمتها سياسة «الإرهاب»؟ وفى نفس السياق هل من الممكن أن ينسحب نفس الاتهام على الديانتين البوذية والشنتوية والثقافة اليابانية بأكملها بسبب جرائم الحرب والإرهاب التي ارتكبتها القوات اليابانية في الدول الآسيوية المجاورة لها أثناء الحرب العالمية الثانية؟ وأخيراً وبنفس المنطق هل يمكن توجيه نفس الاتهام للثقافة الأمريكية اعتماداً فقط على ما شهدته أمريكا- ولاتزال- من عشرات من الجماعات والتنظيمات المتطرفة والإرهابية والتى أطاحت بأرواح آلاف من الأمريكيين الأبرياء أو استناداً على الممارسات التي جرت في حرب فيتنام والتى أدانتها قطاعات واسعة من الرأى العام الأمريكى نفسه؟

وللحديث بقية...

[email protected]

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية