x

عبد الناصر سلامة صناعة الإرهاب عبد الناصر سلامة الخميس 28-01-2016 21:37


اللواء مجدى عبدالغفار، وزير الداخلية، تخيّل فى لحظة ما، أنه حينما يعلن عن تكرُّم وزارته بالسماح لـ٣٤٦٢ تلميذاً، من المحبوسين على ذمة قضايا مختلفة، بأداء امتحان نصف العام، فإنه بذلك يعلن عن إنجاز عظيم فى مجال حقوق الإنسان، وأنه بذلك يكشف عن تطور أخلاقى، وأمنى، واجتماعى، بل وربما سياسى، فى بر المحروسة، وأن هذا الخبر، أو ذلك الإعلان، من المفترض أن يستقبله الشعب بالزغاريد، والورود، وإطلاق الأعيرة النارية، وشوبش، التى يدرك معناها كل بتوع الداخلية.

ما يؤكد ذلك، هو أن مسؤول ما يسمى الإعلام الأمنى بالداخلية قال فى مسودة الخبر: إن استراتيجية الوزارة تهدف إلى تفعيل مبادئ السياسة العقابية بمفهومها الحديث، وتوفير أوجه الرعاية التى تعلى من قيم حقوق الإنسان، وتصون حقوق النزلاء، والاهتمام بالعملية التعليمية، وتوفير ما يلزم فى سبيل استكمال المراحل التعليمية، وأنه تم التنسيق مع الإدارات التعليمية بالمدارس والجامعات لأداء امتحانات هؤلاء فى لجان خاصة.. وغير ذلك من كلام كبير قوى.

ما لا يدركه الوزير، ولا وزارته، ولا مسؤول إعلامه الأمنى، هو أن هذا الخبر فى حد ذاته يوضح حجم المأساة التى تعيشها مصر، فى ظل هذه السياسات، التى تحترم حقوق الإنسان، لأن السؤال المنطقى الذى سوف يطرح نفسه مباشرةً هو، ماذا لو لم نكن نحترم حقوق الإنسان، ما العدد المفترض لهؤلاء التلاميذ فى هذه الحالة، نحن نتحدث عن الموافقة لأكثر من ٣٤٠٠، أى أن هناك آخرين لم تتم الموافقة لهم، أيضاً هناك آخرون لم يتقدموا بطلبات لأداء الامتحانات لأنهم لم يواكبوا دروسهم، أو لظروفهم الصحية نتيجة قسوة السجن، وهناك آخرون ماتوا، أو قُتلوا، وهناك آخرون هاربون، فلا هُم تلاميذ، ولا هُم سجناء.

سيادة الوزير المبجل، هذه كارثة بكل ما تحمل الكلمة من معنى، جعلتم من تلاميذ مصر مجرمين، أو عدداً غير قليل منهم، وضعتموهم فى المكان الطبيعى لصناعة المجرمين، جعلتم منهم كوادر فى التطرف، وربما الإجرام، لو أن دولة معادية أرادت أن تفعل بنا ذلك ما استطاعت، ولو أن أى تنظيم إرهابى أراد فعل ذلك ما استطاع، نحن أمام صناعة رسمية للتطرف، برعاية وزارة الداخلية، برعاية الدولة المصرية، التى تنفق عليهم داخل السجون من أجل ذلك المستقبل المظلم، الأمر لا يحتاج إلى أكثر من خطة خمسية، بعد خمس سنوات يمكن تفريغ متطرفين على أعلى المستويات، قنابل متفجرة، انتحاريون متطوعون.

لو أننا بحثنا فى حالة كل واحد من هؤلاء على حدة، سوف نكتشف أننا أمام كارثة أكبر، إنسانية، وقانونية، وحقوقية، سوف نكتشف أن هذا التلميذ رفع ما يُعرف بشارة رابعة، وذاك سار فى مظاهرة، وذلك كتب جملة مناوئة للنظام على مواقع التواصل الاجتماعى، سوف نكتشف أن معظمهم سوف يحصلون على براءات خلال المحاكمات، سوف نكتشف أنه كان يمكن احتواء الموقف مع الأغلبية العظمى منهم، بمجرد تحذيرهم من الاعتقال، أو تحذير ذويهم، أى أن الأمر فى كل الأحوال لا يعدو عن ترهات صبيانية، أو شبابية، كان يمكن التعامل معها بطرق كثيرة، بخلاف تلك الطريقة العقيمة، التى أضرت بالبلاد، أكثر مما نفعتها، فى سابق العصر والأوان.

على أى حال، يجب أن نتقدم بالشكر للوزير الحالى، فهو لم يحذُ حذو سابقه من وجوه عديدة، لا داعى لسردها فى هذا المقام، فالتاريخ أولى بالحكم عليه وعقابه، إلا أننا فى الوقت نفسه، لا يجب أبداً أن نتغاضى عن هذه المأساة الماثلة أمامنا، نحن نتحدث عن الآلاف من الصبية والشباب، الذين تتراوح أعمارهم بين الـ١٤ والـ٢٠ عاماً، نتحدث عن آلاف الأُسر التى جعلنا منها خصماً للنظام الحاكم، بل وللمجتمع ككل، صدَّرنا للمستقبل جيلاً صعب المراس، صعب الترويض، بل صعب التفاهم معه.

سيادة الوزير، قد لا يكون القرار لك وحدك، إلا أننى على يقين من أنك يمكن أن تقوم بالدور الأكبر فى هذا الشأن، وهو المراجعات السريعة، والسريعة جداً، ولنا فيما حدث فى عهد الرئيس مبارك الأسوة، وقد كانت المراجعات حينذاك مع أقطاب الإرهاب والتكفير، نحن هنا نتحدث عن تلاميذ فى عمر الزهور، الأمر مختلف تماماً، لن يحتاج إلى مجهود كبير، فبين هؤلاء من لا علاقة له بأى عنف من أى نوع، الشبهة كانت الذريعة الأولى فى الاعتقال، وبقية الإجراءات تعرفونها أكثر من أى أحد آخر.

أعتقد أن المتشدقين بالسياسة والثقافة يجب أن يكون لهم دور فى هذا الشأن، المتشدقون بحقوق القطط، والكلاب، والبيئة، والذى منه، يجب أن يقوموا بدورهم فى هذا الشأن، البرلمانيون إياهم يجب أن يكون لهم دور، الأحزاب السياسية، وكل الجمعيات الأهلية، الردّاحين فى الفضائيات، والنواحين على المنابر، الأمر جد خطير، كل ما هنالك، أنه كان غامضاً، وقد كشفت الوزارة المستور.

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية