x

أسامة غريب القانون لـ«النسوان» فقط! أسامة غريب الأربعاء 27-01-2016 21:36


عندما أقرأ خبراً فى صحيفة يقول: عمال شركة كذا يهددون بمقاضاة الوزير الفلانى، أو خبراً يقول: إذا أصروا على التزوير فسوف أتوجه للقضاء، أو: سوف آخذ حقى منهم بالقانون.. عند قراءة هذه الأشياء أشعر بحيرة.. هل هناك من لايزالون يؤمنون بالقانون، ويرونه المظلة التى تحمى الجميع، بعد أن ضربت الحكومة آلاف الأمثلة على أن القانون وحده لا يمكن الركون إليه لمن أراد أن يأخذ حقه فى هذا المجتمع؟

وفى الحقيقة لا أملك سوى الإعجاب بمن يُصرون على الاحتكام للقانون مع عدم تأكدهم من الوصول للنهاية السعيدة، بعدما أثبتت لهم الممارسة أن أحكام القضاء لم تعد تُنفذ، أو بالأحرى لا يُنفذ منها إلا ما يتوافق مع هوى السلطة.

سمعت المستشار طارق البشرى، ذات مرة، يقول: «حتى لو كانت أحكام القضاء لا تُنفذ فإن مجرد صدورها يقيم حجة على هؤلاء الذين يعبثون بالقانون، ويضربون به عرض الحائط».

لكن، للأسف، لا يمتلك الجميع حكمة طارق البشرى واتساع رؤيته، فمنهم صديق لى تم السطو على قطعة أرض يمتلكها، وكان قد ورثها عن والده، وتمثل بالنسبة له الأمل فى الحياة.

طار عقل صديقى، وكان أشبه بالمجنون، فلما نصحناه باللجوء للقانون ثار ثورة عارمة، وقام بتذكيرنا بأن فى أيدى العرب عشرات القرارات الصادرة عن الأمم المتحدة تلزم إسرائيل بالانسحاب من الأرض العربية، ولم ينفذ منها شىء.

أوضحنا له أن الأمر مختلف، لأن المجتمع الدولى ظالم، فضحك ملء شدقيه، وسألنا: وهل المجتمع المحلى عادل؟

لم تنفع محاولاتنا تهدئته، بل أخذ يرغى ويزبد، ثم ختم كلامه بحكمة كانت جديدة على سمعى.. قال: «حقى سآخذه بيدى، أما القانون فهو يصلح لامرأة تطلب نفقة أو أخرى تطلب الخلع»، ثم زاد: «الرجال لا يلجأ للقانون منهم إلا المخنث ومن ضربه السلك، أما الرجل الحقيقى فلا شأن له بالقانون، ذلك أن القانون لم يوضع إلا للضحك على الغلابة وتنويمهم والإيحاء لهم بأن حقوقهم مصونة فى الوقت الذى تُستباح فيه هذه الحقوق على أرض الواقع»!

لا أنكر أن كلام هذا الصديق أصابنى بصدمة شديدة، ورأيت أن خطورة هذا القول تأتى من أن معتنقيه أصبحوا أكثر مما نتصور، وقد أفقدهم اليأس من العدالة الحلم والصبر والقدرة التفاوضية.. أصبحت القوة فقط هى ملجأهم وملاذهم لاسترداد الحقوق.

لم يتردد صديقى فى تطبيق عدالته الخاصة فقام- وهو مهندس مرموق- بتشكيل فيلق من الشبّيحة أتى بهم من بلده الريفى، وسلحهم بالسيوف والعصىّ، ثم أغار بهم على قطعة الأرض، فطرد الهكسوس منها، بعد أن أغرقت الدماء أرض المعركة!

أصبحت أتذكر هذا الصديق العجيب، صاحب نظرية أن القانون للنسوان، كلما قرأت عمن يهدد بالذهاب للبوليس والنيابة والمحكمة. وأصبحت أتساءل:

ما المشكلة فى أن يكون القانون ملجأ للضعفاء والمسالمين، ومنهم النساء اللائى سخر منهن صديقى؟

ألم ينشأ القانون بالأساس لحماية الضعيف ولجم المعتدين وإدخالهم القفص؟

غير أنى سرعان ما كنت أرد: نعم، هذه هى وظيفة القانون، ولكن عندما تكون الحالة على النحو الذى نرى، فلن يبقى مؤمناً به سوى السذّج وأهل الغفلة، وهؤلاء هم من رفض صديقى أن يكون منهم!

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية