دائماً ما نتساءل عن أهم ما في الحياة. والإجابات كثيرة ومتعددة والتفسيرات تختلف من فردٍ لآخر ومن مُجتمع لآخر ومن زمنِ لآخر. ومهما أحاول أن أُفسر تلك الأشياء فدائماً ما أجد أن الحرية هي القيمة الأهم في تلك الحياة. الحرية بمعناها الشامل غير المحدود. والحرية هي الحياة. دون الحرية تُصبح الحياة والموت مُتشابهين. وتتسم الحرية باللا محدودية. وهنا تكمُن إشكالية تدور حولها كثير من المشاحنات. وحتى الآن سوف نجد فكرة الحرية مسار جدل في كل مكان، ولا نستطيع أن نتوقع أن تقل حدة الحوار والجدل حول فكرة الحرية. إن فكرة اللامحدودية هي أصل فكرة الحرية. فلا توجد حرية حين تُكبل بالقيود. ومهما حاول الكثيرون تقييد الحرية فلن يفلحوا. والحرية ليست بالسهولة التي قد يتخيلها البعض. قد تحيا بمُجتمع ديمُقراطي وأنت مفتقد للحرية كفرد. وقد تستمتع بالحرية كفرد وأنت في وسط مُجتمع ديكتاتوري. ومع ذلك فإن المجتمعات التي تتوفر بها الحريات الفردية تظل مجتمعات إنمائية وقوية ومدعمة للفرد في كل مكان.
أسئلة كثيرة تطرحها فكرة الحرية والإجابات نفسها تطرح أسئلة جديدة ووجود أسئلة هو أحد أشكال النمو المُستمر للمُجتمعات. فوجود إجابات محددة سلفاً ينتفي معُه وجود حقيقي للحرية. فالحياة بالأساس حالة من التساؤل المُستمر المؤدي بالضرورة للحراك الواجب حدوثه في الُمجتمعات.
إن القيام بأي نشاط حياتي يستلزم معه وجود حرية مُطلقه حتى يتم بنجاح وموضوعية. إذا أردت مثلاً أن تبحث في أي حقيقة تاريخية فعليك التسلُّح بعدد من الحُريات. أولاً حرية البحث، وهذا حق أصيل لكُل البشر، وأحد الأركان الأساسية للمعرفة الحقيقية. وليس هذا في حد ذاتُه هو الأهم وإنما التحرُّر من كل الأفكار المسبقة والأنماط الجاهزة وفكرة مناصرة الجماعة التي تنتمي إليها في كل الأحوال- وهي بالأساس فكرة عنصرية- فالحرية هي العامل الأساسي في نجاح البحث التاريخي، والبحث التاريخي في الأساس يعتمد على التفكير النقدي، ولا يستند على مصدر وحيد للمعرفة، بل لابد أن ينوع في المصادر ويقارن بينها حتى يقترب من فهم ما يرنو إليه.
فعند قيام باحث تُركي بالبحث في مذابح الإبادة العرقية للأرمن في عام 2015 لعدد يتراوح بين مليون إلى مليون ونصف أرمني، فهذا الباحث عليه التجرُد والتحرُر تماماً من كُل المشاعر الوطنية حتى يتعامل مع تلك الأحداث التاريخية بحيادٍ تام؛ فالبحث الموضوعي يتطلب الحياد التام والحياد يتطلب الحرية المطلقة.
ومن ثم نرى كيف ترتبط فكرة الحرية بكافة مناحي الحياة، وكيف يحدد الاختيار قيمة ما نقوم به من نشاط إنساني، حرية الاعتقاد، والاختيار، والسفر والزواج والشراء والامتلاك، ولو تعاملنا مع الفكرة بجدية سوف ندرك مدى توغلها وتداخلها في كافة مناحي الحياة.
وهُنا أجد أن علي القول إن الحرية هي الحياة. فنحنُ نحيا بفخرٍ حين نشعُر أننا مسؤولون تماماً عن اختياراتنا بالحياة. ونشعُر بانتماء لذاتنا حين يكون مصيرنا بأيدينا. فالإحساس بالحرية هو المُحرك الأساسي للنشاط الإنساني.
الحرية تنزع عنا الخوف، كما تنزع هالة القدسية عمن يعتقدون أنهم فقط من يمتلكون الحقيقة، فالحقيقة لا يمتلكها أحد، لكننا كلنا مدعوون للبحث بحرية عن الحقيقة كما نراها نحن.