يفتخر السيناتور «برنى ساندرز»، المرشح ضد «هيلارى كلينتون» للفوز بترشيح الحزب الديمقراطى فى انتخابات الرئاسة الأمريكية، بأن حملته الانتخابية لا تعتمد فى تمويلها على الشركات الكبرى أو أصحاب المصالح الخاصة أو النفوذ، بل هى حملة من الناس ولأجل الناس. وتعتمد حملة «برنى» على التبرعات الصغيرة، وقد ساهم حوالى 1.3 مليون فى التبرع، وقيمة التبرع لا تتخطى 27 دولاراً، وقد تجمع الشباب خلف هذا الثائر، الملىء بالحيوية والشباب رغم أنه يناهز الرابعة والسبعين من عمره.
«برنى»- هذا السياسى الثائر- يخطط لجعل الجامعات العامة مجانية، وجعل التأمين الصحى متاحاً للجميع، يؤمن بأن التأمين الصحى حق وليس امتيازا. وهو يخطط- حال فوزه بمنصب الرئيس- لأن يرفع أجر العمال غير المهرة إلى 15 دولارا فى الساعة، ويعتقد «برنى» أن على الولايات المتحدة أن تقلل من حجم الإنفاق على السلاح حتى تستطيع أن تزيد من حجم الإنفاق على التعليم. ويدافع «برنى» عن الطبقة المتوسطة بشراسة ويتمنى أن تعود كسابق عهدها تقود المجتمع الأمريكى، فهو يرى أنها تتآكل لصالح جشع الأثرياء، وكان «برنى» قد صوّت ضد الغزو الأمريكى للعراق فى عام 2003.
فى بداية إعلانه عن ترشحه لسباق الحزب الديمقراطى لم يحظ «برنى» باهتمام إعلامى، بل كان التهكم هو السائد، فحين اتهمه البعض بأنه اشتراكى- وهذا ليس صحيحا- صرح آخرون بأنه يبدو فى التسعين من عمره رغم أنه كان يبلغ وقتها الثالثة والسبعين عاماً، لكن «برنى» لم يتراجع واقتحم معركة الرئاسة الأمريكية دون مساندة أو تدعيم مالى، بينما كانت «هيلارى» فى بؤرة اهتمام الإعلام ولكن الوضع تغير تماماً، فمع مرور الوقت زادت شعبية «برنى» واستطاع الفوز بفارق 17% على هيلارى كلينتون فى ولاية «هامبشاير» للفوز بترشيح الحزب فى الانتخابات الرئاسية القادمة.
«برنى» سياسى ثائر، يدافع عن أفكاره بحماس، العمر بالنسبة له مجرد رقم، الحياة حالة من الحركة المستمرة، يقول «هنرى فورد»: «إن من يتوقف عن التعليم يصبح عجوزاً، سواء كان فى العشرين أو الثمانين».. وهذا ما يدركه «برنى»، الثورة ليست للشباب فقط، الثورة للثائرين، والثائرون ليسوا من يرفضوا كل شىء، وليسوا من يعلو صوتهم ليلاً ونهاراً، الثائر الكبير هو من يتحرك للأمام، ويغير فى إطار المتاح، وفى إطار الواقع الحالى وتفاعل منظومة القوى من حوله.
فى حوار للشاعر الكبير عبدالرحمن الأبنودى مع المحاور مفيد فوزى، وحين سُئل عن العمر قال: «العمر مجرد رقم»، وهذا ما نراه فى مسيرة السيناتور الأمريكى الذى تحركه أفكار سياسية جديدة تحمس لها الشباب الأمريكى ووقف بجانبه يسانده ويدعمه. الإحصاءات تذكر أن «برنى» يكتسح «هيلارى» فى الفئات العمرية من 17- 29 و30- 44.
الشباب الأمريكى خلف «برنى» يدعم ويساند ويناقش ويسمع، ومن هنا تولد الثورة الحقيقية، الثورة التى تولد من عمق المعرفة، لا من عمق الحناجر. يقول لنا الفيلسوف المصرى «زكى نجيب محمود» إن الإنسان يصبح حراً حين يكون على دراية بالمجال الذى يدرسه، فكلما ازددت علماً ازددت حرية، وهما يؤديان إلى اتخاذ قرار يتواءم مع العقل، فيقود إلى مستقبل أفضل.
فمتى نثور حقاً؟ يبدو أننا نتحدث عن ثورات كلامية، ولن نثور فعلاً ونغير حتى نتمكن من أدواتنا ونغير عبر الآليات الحالية، «برنى» الثائر يغير عبر النظام السياسى القائم، رغم عدم قناعته بكثير من تكوينات هذا النظام. التغيير حرفة وليس كلاماً.