دائماً ما يُصاب العقل بالحيرة وينفجر غضباً رافضاً الكثير مما يراه في واقع يكاد يصل إلى درجة من العبثية يتعثر معها فهمه وفهم سلوك وردود أفعال الآخرين. ونحتار ونندهش حين نتساءل: كيف تكون عقل الكثيرون بهذا الانغلاق ورفض كُل آخر دون حتى معرفته أحياناً؟
وتتضح الصورة حين نُفكر في الحرية كمصدر أصيل وأساسي في بناء إنسان قادر على التعامُل مع الحياة واتخاذ كُل قراراته بنفسه وليس بُناءً على ضغوط عائلية أو مُجتمعية.
ففي نظام مُجتمعي أبوي غالباً لا يكتشف الأشخاص هويتهُم الحقيقية، والكثير منهُم يظل أسير الأنماط السائدة إلا هؤلاء المتمردون القادرون على إحداث التغيير في أي مكان.
ففي المُجتمع الأبوي تُرسم الأدوار مُسبقاً وعلى الممثلين القيام بأدوارهم وإلا سوف يتم نبذ المتمردون على نظام مُحكم. وتكون هنا الحرية هي الملجأ كي يعيش الإنسان فرديته.
ومكونات بناء الإنسان عديدة بدءاً من الأسرة، الدين، العادات والتقاليد، وسائل الإعلام، الثقافة السائدة، يكون من الصعوبة بمكان أن يصبح الإنسان حراً في مجتمع تسوده ثقافة القهر المطلق غير القابل للنقاش
وهذا ما يوضح صعوبة أن تكون حُراً في مصر وكثير من دول العالم، إن لم يكن أغلب العالم بدرجات مختلفة.
لابُد أن يعيش الإنسان في حرية مطلقة حتى ولو أخطأ، فالخطأ جُزء من الحياة. ومن منا لم يخطئ قط، وما أجمل تذكُر قصة المرأة التي أمسكها بعض اليهود في حالة زنا وقدموها للسيد المسيح كي يحكُم عليها، وفي شريعة موسى كان الحُكم هو الرجم حتى الموت، لكن ماذا فعل المسيح هُنا، قال لهُم السيد المسيح من كان منكُم بلا خطية فليرمها بحجر، وحينئذ أدرك الجميع أنهُم لن يستطيعوا أن يلمسوا تلك المرأة ورحلوا، فليس منا ولن يكون من هو بلا خطية، وتعد هذه القصة من وجهة نظري من أعظم ما كُتب في الكتاب المقدس. فهي تتحدث عن مدى ظلم البشر بعضهم لبعض واستخدامهم للنصوص الدينية لقهر الآخرين والحكم عليهُم وذلك فيما هم غافلون عن خطاياهم، وليس من الطبيعي أن يكون لإنسان الحكم على آخر مهما كان موقعه أو حتى مركزه الديني.
وهُنا يتضح أهمية وجود دستور يكرس قيمة مدنية الدولة، وألا تعطي فرصة للبشر لتطبيق ما يعتقدون أنه قانون مقدس لديهُم. فكم من الجرائم تُرتكب باسم الدين والعقائد.
كم قُيدت حرية الكثير من الأبناء لأن أهلهم رأوا أن يرسموا لهم الحياة التي يروا أنها الأمثل. وعانى الكثير من حياة لا يرغبوا فيها. والكثير من الآباء يتمنوا أن يرو أولادهم نجحون فيما أخفقوا فيه. فلمن هذا النجاح إذن!؟ وحين يعيش شخصِ ما حياة خططها لهُ آخرون فكيف لهُ أن يكتشف ذاتهُ. وينطلق الإنسان مكتشفاً ذاتهُ حين يكون حراً.
فتكوين عقلِ حر ليس بالأمر اليسير. والعقل الحُر لا يخاف أو يرتعش من مواجهة المجهول ولا يحاول أن يلعب على الضمان. فهو يمتلك الجرأة الكافية لفك كُل القيود. وعلاقة الحرية بين الآباء وألأبناء ترتبط ارتباطاً وثيقاً بمعايير كثيرة مثل المرحلة العمرية ودرجة الوعي والتعليم.
ونظراً لاختلاف الأجيال بين الآباء والأبناء فتختلف نظرة كلاهُما للحياة وهذا أمر طبيعي. ولكن يظل كثيراً من الآباء في حالة صراع دائم مع أبنائهم كي يصبحوا نسخة طبق الأصل في كثير من الأمور.
إذن فمن الطبيعي أن يختلف الآباء والأبناء في كثير من الأشياء، وهذه هي الحياة. أن نختلف ونقرر أن نسير في طرق جديدة قد تبدو غير مضمونة أو عسيرة وغير واضحة المعالم، ومع ذلك نسير فيها رغم الصعاب. من أجبر الأخوين رايت The Wright brothers أن يحاولوا كثيرا حتى تنجح تجربة الطيران، فقد كان الدافع الأساسي هو العشق لفكرة الطيران التي سيطرت على حياتهم فأصبحت شغلهم الشاغل.. وكيف تحول عزت أبوعوف للفن وترك الطب، ويحيى الفخراني الذي ارتمى في أحضان الفن وآخرون.
حين يدرك كُل فرد ماذا يريد تماماً ويصبو إليه بكُل طاقته فالنجاح هنا مسألة وقت. ونحن نضيع الكثير من الوقت في النظر وإعادة النظر فيما قام به الآخرون دون النظر داخلنا أولاً فنفقد البوصلة التي تقودنا نحو الهدف. والتركيز الشديد فيما يقوم به الآخرون هو أحد العوائق التي تحيل بيننا وبين فهمنا لذاتنا. فوضع الآخر نصب أعييننا يصيبنا بالعمى. فالتركيز في الذات وما تستطيع القيام به يكشف لك قدراتك الذاتية، وما تستطيع القيام به حين تحاول.
شريف رزق
[email protected]