x

أحمد الدريني عقل السيسي أحمد الدريني الخميس 25-02-2016 21:31


قيل للخليفة الأموي عبدالملك بن مروان، عجل عليك المشيب! فقال وكيف لا وأنا أعرض عقلي على الناس في كل جمعة مرة أو مرتين.

وما يقصده ابن مروان بلغتنا الحديثة، أن للعمل العام ضرائبه، وأن للمنصب مقتضياته. فحتى وهو الآمر الناهي والرجل المطاع في دولة مترامية الأطراف، فيها الحجاز وقلاقلها والعراق وفتنها والشام ومكائدها ومصر ومفاجآتها، فهو رجل يطل على الرأي العام ويتحدث إلى الناس، كل أسبوع مرة أو مرتين في حشد منهم.

ورغم التاريخ الدموي الذي ظل يلاحق عبدالملك، حين خاض معاركه الواسعة لإخضاع الدولة الإسلامية كلها تحت سيطرته وتحت راية ملك بني أمية العضوض، إلا أن المؤرخين- يغضون الطرف عن كل هذا- إعجابًا بمنجزه على مستوى «الدولة» التي وحدها وقبض عليها بكفه قبضة لا فكاك منها.

فهو الرجل الذي سار الحجاج بن يوسف في عهده إلى الكعبة فضربها بالمنجنيق وصلب عبدالله بن الزبير- رضي الله عنهما- في جوفها! ورغم ذلك حفظ الله التاريخ منجزه «الدولتي»، من توحيد الأمصار وصك أول دينار عربي وتعريب الدواووين، في تفريط أخلاقي واضح بحق الدماء لصالح «المنجز السياسي».

ورغم صلابة الشخصية وفصاحتها ومكرها واتساع معارفها وجموح طموحها، إلا أن عبدالملك كان يضطرب حين يقف أمام الناس، ذلك أن عقله (الذي قاده إلى هذا المنجز الضخم بحسابات الأمر الواقع، بمعزل عن الإطار القيمي له) معروض على الناس، يقيمونه، يأخذون عليه ويردونه، يعارضونه وينتقدونه، يوافقون على كلامه ويلومونه في بعض.

فعبدالملك كان يحكم (بشرًا) منهم من هو أكثر منه ذكاءً وأنفذ منه بصيرةً وأدق ميزانًا في تقليب الأمور وفحصها، كما يدرك ابن مروان أن خطأه في عين الناس مضاعفٌ وذائعٌ بكثير من الشماتة، وكيف لا وهو حاكمهم؟

الأمر الكفيل بأن يغزو الشيب رأسه، فيبدو مسنًا مهمومًا.

(2)

في حديث مسرح الجلاء للرئيس عبدالفتاح السيسي أثناء تدشين رؤية مصر 2030 وصل الرجل لنقطة حرجة مع الرأي العام المصري، للدقة مع قطاع بعينه منه، من شباب ومثقفين، مع الكتلة الحرجة الأكثر قدرة على التعبير عن رأيها عبر وسائل الإعلام وعلى وسائل التواصل الاجتماعي.

أي مع من يستأثرون بالتعبير- منفردين- عن الرأي العام المصري، أيا كانت نسبة تأثيرهم، كبرت أو غير ذلك.

ما أحسه في أحاديث الرجل هو ذهولٌ مطبقٌ عليه، فكيف ننكر جميعًا منجزاته؟ وكيف لا نحترم جهده؟ كيف لا نرى الطرقات الممهدة والمطارات المشيدة والموانئ المبنية والصحاري المعمرة والمباني القائمة، كيف ننكر حقائق (الرمل والأسمنت) وهي دليلٌ قاطع على عمل الرجل وتفانيه؟

الرجل يحس بحسرة حقيقية ولا يكاد يفهم السر، ولا يدخر جهدًا في الإفصاح عن شعوره بالتعاسة، بسبب تغافل الإعلام والمواطنين عما يجري.

سأقول لك شيئًا سيادة الرئيس.

أنا شخصيًا، من المحتمل أن أستخدم أحد المطارات التي تشيدها بمعزل عن (أهل الشر) الذين تعرفهم بمفردك، ومن الأرجح أنني سينتعش وضعي الاقتصادي كمواطن خلال 5 سنوات من الآن بسبب هذا الرواج الذي تسعى إلى جلبه إلى مصر أيا كان الثمن، من عمرك وقلقك وصحتك.

لكن أنا لا أضمن أن أعيش حتى الغد! اضمن لي ألا يقتلني أمين شرطة طائش من أولئك المنتظمين في سلك وزارة الداخلية التي تباطأت كثيرًا في هيكلتها، واضمن لي ألا يلفق لي ضابط شرطة قضية تودي بي خلف القضبان (لأن شكلي مش عاجبه)، واضمن لي أن أحظى بمحاكمة عادلة تحت أي ظرف، وألا يسوقني حظي العاثر للقاضي إياه.

اضمن لي أن يحس أفراد الشرطة أنهم يجرمون في حقنا، بينما تدافع عنهم في كل محفل كما لو كانوا عشيرتك الأقربين، وأتباع ديانة أنت نبيها المرسل!

اضمن لي ألا أحس بنكد العيش والناس في السجون بسبب تهم غير مفهومة، ولدٌ صغيرٌ محبوس لأجل تي شيرت، وشابةٌ نضرة مسجونة لأنها تساعد أطفال الشوارع، ومصورٌ صحفي مسجون منذ عامين بلا تهمة واضحة!

كيف يهنأ ضميري بمشاريعك الكبرى وخلف القضبان أناسُ تئن الحجارة في الأرض ألمًا لظلمهم؟ كيف تستقيم في ناظري جهودك وأنا لست آمن على نفسي ولا أصحابي؟

كيف أطمأن إلى الدنيا والمعيار مشوهٌ والميزانُ معوجُ؟

أنا لا آمن على نفسي في دولتك.

أنا أثمن كرامة الإنسان وحقه في الشعور بأن «العدالة» هي القيمة الفاصلة في هذا الوطن، بأكثر مما أقدر أنفاقك وطرقك ومطاراتك ومشاريعك واحتيالاتك الأبوية الدؤوبة لتوفير المليارات، وحساباتك المعقدة لأجل غد أفضل.

لكن غدًا لن يكون أفضل بخيالاتك وتصوراتك أنت فقط عن الأفضل، بل بـ«مطالبنا» عن هذا الغد الذي سنحياه نحن وأهلونا.

(3)

يعز على نفس المرء أن يرى رجلًا يبكي ويجهر بأنه مستعدٌ لبيع نفسه لأجل البلد.

ضمنًا، وبصورة مجردة، فرجلٌ يدعى عبدالفتاح، يقول لي إنه مستعد أن يبيع نفسه لأجلي وأجل حياتي! كيف لا يضطرب وجدان سويٌ حيال هذا، وكيف لا يوجع كما يفرح؟

ولكن أنا لا أريدك أن تبيع نفسك، كل ما أريده أن تحترم كرامتي في أن أعيش آمنًا، لا أن أعيش معولًا على أطنان الرمال المحفورة ومليارات الأسمنت المقترضة، وتلال الحديد المشيدة.

أنت رئيس لا مقاول.

فكيف عقلك وأنت تحدثنا في البنيان وتنسى الإنسان؟

صدقني، أن أحترم كل دقيقة أنفقت في سبيل مشروع ما، وأحترم كل ذرة عرق انسابت، بينما الرجال يعمرون واديًا قفرًا، وأحترم كل جنيه تم توفيره بالحيلة وما سوى الحيلة.

لكن أنا أريد الأمان، ودولتك لا أمان فيها، ووزراؤك الذين دافعت عنهم أضعف من أن يقيموا أود عزبة لا وطن.

يعارضك كثيرون ويسخرون منك- بحسن قصد وبسوء قصد- لكن وسط غبار المعركة لا ترتكن إلى «خيالاتك» عن الإصلاح الذي تؤكد أنك ستمضي فيه منفردًا، وعن الجنة التي ستقودنا إليها ولو مقيدين بالسلاسل والأغلال!

فمن قبلك شاب- قبل أوانه- الذي يعرض «عقله» على الناس، وهو من هو في عقله وسعة حيلته، فأحسن عرض عقلك، وأرهف ميزانك واضبط لسانك ( ويعز على قول هذا)، قبل أن يأتي يوم لا تنفع فيه رمالٌ ولا طرقٌ ولا مولدات كهرباء.

هل وصلت الرسالة أم أن ألف بيان ورأي لا يثنونك عما تنجر إليه معصوب العينين ولا تصدق؟

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية