(1)
قال القائد الكبير لقواته:
لازم نعترف ان احنا اتهزينا./ أنا؟.. / أنا لأ. / لأ ليه؟
لأن المفروض ان أنا ما اتهزش، لأن أنا مسؤول عنكم ما ينفعش أتهز، لكن أفكركم أننا المفروض ما نتهزش../ أي حد./ كان المفروض نعمل إيه؟
هقول لكم.
(2)
كان الرئيس يتحدث لقادة الجيش بمناسبة المناورة بدر (خريف 2014) عقب عملية كرم القواديس الإرهابية في سيناء، اعجبني حديث الرئيس في ذلك اليوم إلا قليلاً، وأعجبتني الترتيبات الأمنية التي تلت ذلك ومن بينها تعيين قائد عام لمنطقة الشرق، لتسهيل التنسيق والسيطرة على ما يحدث في سيناء، وفي مداخلته الثانية مع فضائية «اليوم» الخاصة، أوضح الرئيس أن هدف تنمية سيناء كان من ضمن الترتيبات التي اتخذها، وعهد بها إلى الفريق أسامة عسكر، مع ميزانية في حدود 10 مليارات جنيه، وهي خطوة جيدة تكشف ما وراء الخطاب الإعلامي والسياسي الذي قدمه الرئيس في ذلك اليوم، حيث قال إن الأمن وحده لا يكفي، فهو يعرف أن سيناء مستهدفة من «آخرين» يسعون إلى سلخها من جسد مصر، وأوضح أنه قال ذلك من قبل أكثر من مرة، وفسر تعمده التكرار قائلاً: أنا بحب أكرر الكلام كتير. ليه؟.. عشان نتعلم ونتذكر كويس
(3)
نحن إذن أمام رجل لديه «رؤية شاملة للتنمية» تربط الأمني بالمجتمعي بالسياسي، ويتعمد التركيز على عبارات معينة ومقولات محددة لتثبيتها والتذكير بها، وهي طريقة مأخوذة من خبرات التدريب العسكري، والرياضي أيضا، بل من استخدام «الإلحاح» كوسيلة قوية في أغراض الإعلانات التجارية والدعاية السياسية، وحتى في تحسين السلوك على المستوى النفسي، وهو السلوك الذي عبر عنه عبدالمنعم مدبولي في مشهد فكاهي شهير: «أنا طويل وأهبل.. مش قصير وقزعة»، ونخلص من هذا أن التكرار المتعمد أسلوب معترف به لتنمية مهارات حركية، وغرس قناعات وأفكار، تعمل من تلقاء نفسها بشكل لا إرادي من جانب المتدرب أو المتلقي.
(3)
الرئيس بيفكرنا «اننا المفروض ما نتهزش»..، وبيطمن الجميع من خلال برنامج المذيع: «ما تخافش يا استاذ عمرو».. «عاوز اطمنكم».. «مش عاوز اقلق المصريين».. وبعد 27 دقيقة من الحديث المكرر عن الإنجازات في سيناء وحدها، يختتم مداخلته قائلا: أنا بس عايز اقولك احنا مش ناسيين سينا ولا حاجة..!
(4)
هل أكتب عن الرئيس نفسه بشكل عام؟، أم أكتفي بالكتابة عن المداخلة؟، وهل أعلق بجدية كئيبة منتقصا من جهود الرئيس المضنية (حسب رؤيته الشاملة)، أم أكتفي بالسخرية التي تريح الغاضبين مما آلت إليه الأحوال بعد ثورتين؟
الموقف صعب، ليس بشأن اسئلة الكتابة فقط، لكن بشأن حياتنا كلها، فنحن نذهب إلى تعارضات إجبارية، لأن السؤال الكبير مطروح بطريقة تعسفية: إما نكون مع الدولة في كل شئ، وإما نكون من «أهل الشر»، وهذا سؤال يهدم فكرة الوطن، وفكرة «الدولة» التي تتمركز في دماغ الرئيس باعتبارها «الدين» وربما «الإله». وعلى كل حال، لا يمكنني الحفاظ على علاقة محترمة مع شخص أو جهة تريد اختصار علاقة المواطن بالدولة وبالرئيس في الخضوع التام: اسمع اللي بقول لك عليه، ماتسمعوش كلام حد غيري، احنا عارفين بنعمل ايه، وانتو ما عندكومش معلومات كفاية!، لذلك فإنني سأكتب ما لدي من ملاحظات ونصائح مخلصة، سواء وصلت أم لم تصل، واتمنى ألا يفهم أحد كلماتي باعتبارها مكابرة أو تطاولاً أو عناداً في معارضة بلا بديل، لأنني أنشد بديلا للفكرة والأسلوب والهدف، ولا أنشد بالضرورة بديلا للأشخاص، فأنا مع الدعاء الحكيم للنبي الرحيم: اللهم أعز الإسلام بأحد العمرين (أو بأحب العمرين)، وقيل أن من بينهما «أبوجهل»، وهذا يعني أن نصرة الإسلام تغفر لأبي جهل جاهليته!.
(5)
بناء على ما تقدم، فإن الحديث عن المداخلة هو بالضرورة حديث عن الرئيس، والحديث عن الرئيس هو بالصرورة حديث عن سياساته وقراراته وخطابه للمصريين، سواء «أهله وناسه» أو «أهل الشر وناسه»، وسوف ابدأ بالدوافع التي تحرك الرئيس لطلب مداخلة في فضائية خاصة مرتين، وهو الغيور على الدولة ومؤسساتها، ويعتبر تدعيمها أهم أهداف حكمه!.، وأخشى أن يكون الدافع هو استسهال الوصول لجمهور واسع لا تتمتع به شاشات الدولة، وأخشى أن يكون علاقات القرب والبعد من النظام، وأخشى أكثر أن تكون ترتيبات الأجهزة المعاونة للرئيس، واخشى أكثر وأكثر أن يكون غياب المستشارين الأكفاء المتنزهين عن الأغراض، وأخشى أكثر وأكثر وأكثر أن يكون الرئيس «اتهز» فغير برامجه بشكل فجائي، وأمر بطلب مداخلة.!
(6)
قصة المداخلة قد تبدو بسيطة لمن يتعامل مع الأمر بسطحية، لكنها تكشف ما أشرت إليه سابقا عن وجود «تعمد» لدى كل خطوة عند الرئيس، وتصرفه وفق «رؤية شاملة»، فها هو يفاجأ، ولم يكن في حسبانه الحديث، لكن تعليقات مقدم برامج استفزته ودفعته للتعليق والتوضيح، وهذا يعني أن الرئيس قد يُستفز ويندفع في قضايا أخرى أكثر خطورة يتم استشارته فيها بشكل متعمد من جانب «أهل الشر»، وهذا احتمال خطير، ويجب التفكير فيه، فالرئيس لم يكن ينتوي أن يصارحنا بنتائج جولته الأسيوية، ومشاركته في القمة الأفريقية قبل المداخلة الأولى، ولم يكن هناك بيان معد لذك، لكنه تحدث بالصدفة نتيجة التفاعل مع كلام مقدم برنامج تليفزيوني، وأنا أخشى أن يتحكم اسكريبت برامج التوك شو في الخطاب الرئاسي، بدلاً من أن تصنع مؤسسة الرئاسة إطار القضايا وأجندة الحوار السياسي وترتيب الأولويات في المجتمع.
(7)
تذكرت ملاحظة الرئيس عن «الاهتزاز» عندما طلب المداخلة لمجرد حديث مذيع عن أحوال سيناء في توقيت العملية الإرهابية الخسيسة في مدينة بن قردان على الحدود التونسية، كما تذكرت شبهة «الاهتزاز» في المداخلة الأولى بعد تخوف الرئاسة من تصاعد ملف الألتراس في ذكرى جريمة استاد بورسعيد، فظهر الرئيس فجأة ليعلن عن مبادرة، ماتت في المهد، مما يضعنا أمام سؤال سياسي يتعلق بمدى جدية الرئيس في طرح المبادرات، ومتابعة نتائجها، وهو أمر يأخذنا إلى ملف وعود وتصريحات الرئيس السابقة وجدية ما تحقق منها، فقد اتخذ موقفا رائعا في قضية مقتل الناشطة شيماء الصباغ، وقضايا التعذيب في بعض الأقسام، لكن تم الالتفاف على مواقف الرئيس وتفريغها من مضمونها القانوني والدستوري، وتبرئة المجرمين بالاحتيال، في ظل عدم متابعة رئاسية، أو وضع تشريعات تمنع هذا الاحتيال (وقد كانت التشريعات تحت تصرف مؤسسة الرئاسة لفترة طويلة جدااااً)، وأعتقد أن حساب النتائج يفتح لنا الكثير من العناوين أكثرها هزلاً نتائج مصالحة شوبير ومرتضى التي تدخل فيها الرئيس شخصياً، وأكثرها إحراجا النتائج التي تحققت (أو بدقة أكثر النتائج التي لم تتحقق) من مباردات وعناوين «الحلف العربي»، «القوة العربية المشتركة»، «المؤتمر الاقتصادي» «افتتاح تطوير قناة السويس»، «خطة خفض الأسعار»، و«تنقطع إيدينا لو اتمدت عليكم»!
(8)
لا أسعى إلى هجوم شخصي على الرئيس، ولا أنتقص من جهده وإخلاصه، أنا فقط لا استطيع أن أتنازل عن محاسبته، ولا أستطيع أن أهبط بتصوري عن نفسي من مواطن له حقوق دستورية، إلى رعية يسمع ويسكت، ويأكل ويشكر.. وبالتالي فإن الحديث سياسيُُ مسؤول.. وليس للعناد والكيد، والنقد موضوعيُُ عام.. وليس للشخص والفرد، وبعد أن سجلت بعض الاسئلة والتحفظات على دوافع المداخلة ومكانها، أقترب سريعاً من مضمونها (لأن المقال قد طال)، واوجز ملا حظاتي في نقاط مكثفة قد أعود لها فيما بعد اذا احتاج الأمر للتوسع والتوضيح:
1- الرئيس يواصل الحديث التفصيلي عن إنجازاته، ويذكر الكثير من الأرقام لدرجة تحتاج إلى متخصصين لفهم ما يقول ومناقشته فيه
2- الرئيس يفعل بنفسه ما يمكن إسناده إلى مكتبه الإعلامي، أو أحد الوزراء أو المحافظين، أو من خلال مؤتمر صحفي أو بيانات مصورة للمسؤولين عن هذه الملفات.
3- الرئيس يواصل استخدام خطاب التمييز بينه وبين الشعب: انتو يا مصريين.. أنا بسمّع المصريين من خلال برنامجك.. اللي بقوله لكم يا مصريين.. عاوز أطمن المصريين.. لا مع أنفسنا (يقصد الجيش والسلطة) ولا مع المصريين.. إلخ
4- الرئيس يواصل استخدام «لزمات لغوية» لا تليق برصانة الخطاب الرئاسي، وتكرارها لا يؤدي هنا إلى أي هدف للتذكير أو التعليم مثل: شوف.. اسمع بس.. عاوز اقولك حاجة.. خللي بالك.. وفي المداخلة الأخيرة وصل الأمر إلى تكرار «لزمة» [وانا بكلمك كده] 26 مرة.. أي بمعدل مرة في الدقيقة (والرقم نتيجة إحصاء من فيديو مدته تقل عن 27 دقيقة)
5- الرئيس كرر أيضا الحديث عن الانجازات 3 مرات، لكن هذه المرة لتحقيق الأهداف التي أعلنها من قبل عن فوائد التكرار، مضيفا غليها التضخيم والتفخيم.
6- الرئيس رد على سؤال عن حادث تونس والتهديدات الإرهابية في الغرب، بثقة، ولغة أكثر رصانة من حديثه في شأن التنمية وأحوال الداخل، مما كرس لدي الانطباع الذي بدأت به المقال عن حديثه في مناورة (بدر 2014)، وهذا يعني أنه متمكن في التعبير عن الملف الأمني وحديثه فيه يوحي بالثقة والاستعداد.
7- الرئيس يتحدث كثيرا عن الجيش والشرطة، ويشكر الحكومة، لكنه يتحدث نيابة عن الجميع، فلماذا لا يترك رئيس الحكومة يحدثنا عن انجازات حكومته، والفريق عسكر يحدثنا عما تحقق في سيناء، طالما أنه حصل على المليارات العشرة، ولديه رؤية تنمية شاملة، اعتقد ان من حقنا مناقشها قبل البدء فيها، وليس بعد الانتهاء منها [وأنا بكلمك كده.!]، لأن مناقشة الماكيت بعد البناء تصرف عبثي ومضيعة للوقت، وفرض لأمر واقع قد يجعل من التنمية مجرد انجازات عشوائية، وقد يبدد أشلاء الدولة في مشروعات لا يحتاجها أهلنا وناسنا.