من حق الشعب أن يحلم، بل أن يطلب.. ولكن المثل يقول: الإيد قصيرة والعين بصيرة.. يعنى ببساطة: من أين تعطى الحكومة وتحقق مطالب الناس بينما على الشعب أن يتذكر نصف هذا المثل الشعبى «العين بصيرة»، أى على الشعب أن يسأل نفسه: كيف توفر الحكومة.. بينما هى لا تملك إلا أقل القليل؟!
ومهمة الحكومة - أى حكومة - هى حسن إدارة الموارد، دون إسراف أو بذخ أو إهدار.. يعنى: تحسب ما هو متاح.. وما هو تحت يديها.. ثم تضع أولويات الصرف والإنفاق.. ونسى الشعب أن المثل الشعبى الثانى يقول: «القُفة أم ودنتين.. يشيلها اتنين»، أى يد الحكومة وحدها لا تستطيع أن تحمل وحدها «القُفة» حتى لا يسقط منها ما بداخل هذه القفة.. وهناك مثل آخر يقول: «من دقنه.. افتل له»، يعنى من شعر ذقنه تفتل، أى تغزل له الحكومة ملابسه.. وليس من مكان آخر.
ونعترف بأن الشعب عانى الكثير - ومن سنوات عديدة - من سوء الإدارة الحكومية لثروة البلاد.. ومن عدم تحسن وسائل الصرف، حتى عم الفساد وقام المفسدون بنهب ثروات البلاد، ولذلك فإن الشعب يتعجل تحقيق مطالبه، وأحلامه، وأصبح يرفض حتى الاستماع إلى نصائح بالتمهل فى خطوات الإصلاح.. حتى وإن بدت ملامح هذا الإصلاح على بعد خطوات قصيرة.
ويخشى الناس - وأنا فى مقدمتهم - أن تنال الناس متاعب جمة ومخاطر تهدد أحلامهم، خصوصاً فيما قيل عن توقع اتخاذ إجراءات شديدة تنال من أحلامهم، فى إصلاح أحوالهم.. والناس يتشاءمون مما هو قادم فى القريب العاجل، ولها مقدمات تنبئ عن الكثير من التوقعات.. وأخشى ما يخشاه الفقراء والبسطاء، وحتى الطبقة المتوسطة، أن تتركز كل هذه الإجراءات، التى أراها صارمة وصادمة، على هذه الفئات التى تحتاج إلى المساعدة.. وليس إلى تضييق الخناق.. أما الحزام فقد تقطع من كثرة ما تعرض له من شد!!
ويُجمع الكل أن الفقراء هم الضحايا الأكثر تضرراً من الأزمات الحالية والقادمة.. وبالذات معركة الدولار.. وما أبشع نتائج هذه المعركة.. وللأسف «يلعب» المتآمرون على مصر الآن، ويحسنون استخدام أزمة الدولار، كما لم يحسنوا من قبل. ويرون أن الدولار هو أسلوبهم، بل هى معركتهم الأخيرة لكسر الشعب.. أقصد معاقبته على دوره الأساسى والأول فى إبعادهم عن كراسى الحكم والسلطة.. وهى - وبأى مقياس - معركة قذرة، لأن هؤلاء المتآمرين لم يتركوا سلاحاً إلا استخدموه ولم يبق أمامهم إلا بطون الغلابة.. للسيطرة على سلوكهم وعلى عقولهم.. وللأسف يمكن لهم أن ينجحوا.
هم أى - المتآمرين - يستخدمون أحط الأساليب، والفقراء والغلابة لا يهمهم - وهذا خطأ رهيب - إلا حالهم اليوم.. ولا يهم ما يأتى غداً حتى وإن كان كثيراً.. فالأطفال جوعى، شبه عرايا، وعرق الآباء لم يعد كافياً.. وقد ضحى كل هؤلاء وقاموا بما قاموا به منذ 25 يناير 2011 حتى الآن، على أمل تحسين أوضاعهم التى ثاروا من أجل تغييرها، والجائع لا يهمه أنه سيأكل غداً «تورتة وجاتوه.. ولحم نعام».. ولكنه يريد أن يوفر لعياله كسرة خبز وقطعة جبن وسمكة هزيلة ولو كانت مجمدة.. أو قطعة لحم حول قطعة عضم حتى لو كانت قادمة من بلاد واق الواق.. الشعب يريد لأطفاله مقعداً فى مدرسة حتى لو كان سقفها من جريد.. ودواء من عيادة لمريضه.. وسقفاً يحميه.. تلك هى مطالب الشعب الآن، مطالب مشروعة رغم بساطتها.. ومشروعيتها.. ولا تقولوا للناس.. غداً إن شاء الله نقدم لكم المنّ والسلوى.