كثيرة ــ هى ــ سفريات الرئيس السيسى، هكذا يقولون، سافر إلى بلدان فى آسيا، وفى أوروبا، وفى أفريقيا، وأمريكا أيضاً.. ولم يبق إلا أن نراه فى أستراليا وأمريكا الجنوبية، ولكن ماذا استفادت مصر، رغم أن هذه البلاد التى سافر إليها الرئيس استفادت منا.. هكذا يقولون! والبعض ــ منا ــ يقول: كان الأجدر أن يظل الرئيس ويبقى داخل مصر، لكى يواجه مشاكلنا، وما أكثرها، خصوصاً أن كل الجهاز التنفيذى لم يفعل شيئاً يعوض كل المصريين عما عانوه فى سنوات عديدة ماضية.. أو أن سرعة عمل هؤلاء ليست بنفس سرعة تحرك الرئيس، وكلنا نتابع مشاكل اختلاف سرعة الجهاز التنفيذى عن سرعة تحرك الرئيس.. هو يعمل وكلهم يتكلمون، حتى البرلمان، الذى نتوقع منه أن يصبح جهازاً فاعلاً داعماً للدولة ها هو «يغرق» أيضاً فى الكلام والمعارك الكلامية.. حتى وإن كان ذلك على شكل تصفية حسابات، ولم يدخل ــ بعد ــ فى معركة حقيقية تحتاجها البلاد للمضى نحو المستقبل، وهكذا ــ يقول البعض ــ عادت ريمة لعادتها القديمة!!
حقاً سافر الرئيس، ثم عاد الرئيس.. وها هو الإعلام أكثره «يطبل ويزمر».. وبعضه يكاد يرقص ويقدم عجين الفلاحة، وأيضاً نوم العازب!!
وإذا كانت رحلات الرئيس أكثر إلى أفريقيا، فإنما ذلك ليعوض خسائر ابتعاد مصر عن أفريقيا لسنوات طويلة، ولأننى أرى أنها هى «المجال الحيوى» لانطلاق الاقتصاد المصرى، بحكم أن مصر لا تستطيع أن تنافس بقوة فى أوروبا وأمريكا، ولكن منتجاتها يمكن أن تكون لها سوق رائجة فى أفريقيا.. التى مازالت أرضاً بكراً للتجارة والصناعة، ولهذا السبب تتجه إلى أسواقها الدول الطامعة بقيادة الصين والهند ونمور آسيا الشهيرة.
نقول إذا كانت رحلات الرئيس إلى أفريقيا واجبة اقتصادياً، فإنها أيضاً ضرورية ومهمة سياسياً.. وتعمقوا معى فى كارثة سد النهضة، ولكن رحلات الرئيس إلى آسيا ــ هذه المرة ــ ليست طلباً وسعياًً وراء استثماراتهم فى بلادنا.. ولكن ــ وفى المقام الأول ــ سعياً وراء التعلم والاستفادة من تجاربهم فى البناء والنهوض والتقدم، فكل دولة من الدول الثلاث: كازاخستان واليابان وكوريا الجنوبية كانت مدمرة تماماً، وبدأت من الصفر.
أى أن الرئيس يريد أن يعرف أسرار هذا التقدم، لأننا فعلا فى القاع.. ونريد النهوض والتقدم، ويكفى هذا العجز الهائل فى الميزان التجارى «بين ما نصدره للخارج.. وما نستورده»، وكل دولة من هذه الدول الثلاث كانت فى القاع.
ها هى اليابان تم تدميرها تماما ــ وبالقنابل الذرية ــ ولكنها بدأت النهوض بمجرد وقف الأعمال الحربية، واستطاعت بإرادة شعبها، وحسن القيادة والإصرار على العمل، أن تنهض وتنافس حتى الذين دمروها بالقنابل الذرية، وصنعت اليابان معجزتها غير المسبوقة، ثم كازاخستان، وهى متنوعة الأعراق: من كازاخ إلى روس إلى ألمان «نعم»، من أوكرانيا إلى الأوزبك ثم التتار.. ولكنها صنعت من هذا التعدد دولة كبيرة، وتخطت فترات الحكم الشيوعى تحت سيطرة موسكو إلى عام ٢٩٩١، وفى أقل من ٥١ عاماً صنعت المعجزة، وبعد أن كان البنك الدولى يصنفها بين دول الدخل الأدنى فى العالم، ها هى الآن فى المقدمة.
ثم كوريا الجنوبية التى غزتها قوات كوريا الشمالية فى يونيو ٠٥٩١ ودمرتها، هذه الحرب الكورية حتى عام ٣٥٩١، ولم يكن شعبها يجد ما يأكله حتى أنه كان يأكل «كل ما هو فوق الأرض.. وكل ما هو تحت الأرض أيضاً»، ولكنهم وفى أقل من نصف قرن صنعوا المعجزة، وأصبحوا من أكبر النمور الآسيوية، وصنعوا كل شىء، من الإبرة إلى الصاروخ فعلاً، وليس من تصريحات ومانشيتات الصحف.. وأصبح اقتصادها فى مقدمة الدول التى سبقتها.
** أى أن الدول الثلاث بدأت من القاع.. لا.. بل من تحت القاع ثم انطلقت، ومن أجل سر هذا الانطلاق كانت جولة الرئيس السيسى الأخيرة فيها، لكى يرى، ويجعل من رافقه فى الجولة يرى ويعرف.. ولكن هل تعلم من كان مع الرئيس فى هذه الجولة.. هل غاصوا فى أعماق أسرار هذا التقدم، وماذا سجلوا.. بل ماذا حملوا معهم عند عودتهم ليجربوه ــ هنا فى مصر ــ وهل عادوا فعلاً بدراسات ونتائج إيجابية تصلح لنا.. أم ينطبق عليهم قولنا المأثور «وكأنك يا أبوزيد ما غزيت».. غداً إن شاء الله نشرح.