هل يسخر القدر منا، فنجد أن من العرب - الآن - من يهدم اللغة العربية.. بينما الذين دافعوا عنها، ووضعوا قواعد تقدمها ورقيها ليسوا من العرب الأقحاح.. أم ما يجرى هو من علامات الساعة؟!
ولقد كتبت هنا - منذ أيام - أحيى السيد عمرو موسى، أكثر وزراء خارجية مصر شهرة فى العقود الأخيرة، عندما وقف صارخاً مندداً بما ينادى به البعض بجواز نشر الكتب العربية، وفى مقدمتها كتب التراث.. باللهجات المحلية.. وهو ما بدأ فى لبنان، التى كانت جزءاً من الشام، الذى نعتبره الحصن الحصين للغة العربية.. وتساءلت - معه- ماذا لو وجدنا كتباً عربية قديمة يعاد طبعها باللهجات المحلية فى شمال أفريقيا مثلاً.. وأنا أرى أن هذا الشمال، وبالذات تونس والمغرب، فى مقدمة المدافعين عن لغة العرب.
ولكن أحداً لم يتحرك، فلم أسمع اعتراضاً من مجمع اللغة العربية بالقاهرة، وأعان الله مجمع اللغة العربية فى دمشق على ما فيه الشام كله، ومنذ سنوات، فهل لم يعد - بين العرب - من يتصدى لهذه الهجمة الشرسة على لغتنا، لغة القرآن الكريم.
وكيف أن الذين «وضعوا» أسس وقواعد اللغة العربية كانوا من غير العرب، أو من الذين عاشوا على حواف الأمة العربية.
هذا هو سيبويه الذى ولد عام 769 ومات عام 804 ميلادية ليس عربياً، بل هو فارسى الأصل، وهو من مدينة البيضاء فى فارس، واسمه أبوبشر عمرو بن عثمان بن قنبر، ويعد رائد النحو العربى وعالم اللغة وأول منظر فى قواعد العربية.. وهو الإمام فى هذا المجال، وصاحب المؤلف الشهير «الكتاب»، وسيبويه كلمة فارسية معناها «رائحة التفاح»، وكانت أمه تطلق عليه ذلك على سبيل التدليل وهو صغير، حقيقة عاش - بعدها - فى مدينة البصرة - على حدود المتحدثين بالعربية والفارسية. وأنه قدم إليها حدثاً ودرس على شيوخها، وكانت ملازمته للخليل بن أحمد هى الأكثر.. وأخذ عنه كثيراً، وسبب اهتمامه بالعربية أنه كان «يملى» شيئاً على حماد بن سلمة، «فلحن» أى أخطأ فى النطق فكان «لحنه» هذا سبباً فى طلبه علم العربية حتى لا يخطئ أحد من بعده، فشرع فى طلب النحو حتى برع فيه.. ووضع كتابه «الكتاب» الذى لم يسبقه أحد إلى مثله.. ولا لحقه أحد من بعده.. حتى قال أحد علماء اللغة: من أراد أن يعمل كتاباً كبيراً فى النحو بعد كتاب سيبويه عليه أن يستحى!! وأصبح من يخطئ فى العربية إذا عاتبه أحد رد قائلاً «يا أخى سيبويه يتألم فى قبره»!!
وإذا كان سيبويه فارسياً.. فهذا أيضاً واحد من أفضل علماء العربية وكان أندلسياً.. أى فى أقصى بقعة دخلها الإسلام والعربية غرباً.. هو ابن سيده، واسمه أبوالحسن على بن أحمد الأندلسى المرسى، المولود عام 1007 ميلادية فى مدينة مرسيه «التى جاء منها شيخنا أبوالعباس المرسى أيضاً» وهى مدينة فى جنوب شرق الأندلس، ولد فيها ابن سيدة.. وعاش، ومات فى الأندلس أيضاً، فى دانية، عام 1066، وكان ضريراً - مثل والده - ومن أهم مؤلفاته: المحكم والمحيط الأعظم فى لغة العرب، الذى اشتهر باسم: المحكم فى اللغة، ورتبه على حروف المعجم فى 12 مجلداً.
ليس هذا فقط، بل ها هو أبوسعيد السيرافى المنسوب إلى بلدة سيراف، وهى إحدى بلاد فارس، وإن درس فى بغداد ثم ذهب إلى عمان ولكنه عاد إلى سيراف، وهو من تولى شرح كتاب سيبويه فى 3000 ورقة بخط يده، وله أيضاً كتاب: شواهد كتاب سيبويه، والمدخل إلى كتاب سيبويه.. ومات فى سيراف «الفارسية» عام 978 ميلادية.. بعد أن أصبح من أشهر علماء القراءات والنحو واللغة والفقه، واسمه بالكامل: الحسن بن عبدالله بن المرزبان السيرافى.. فهل أسرة مرزبان المصرية فارسية الأصل؟!
وها هو ابن مالك.. صاحب الألفية الشهيرة فى النحو والصرف التى كانت من أبرز ما كان يدرسه الطلبة العرب، ليحفظوا قواعد النحو والصرف.. هو أيضاً أندلسى!! اسمه محمد بن عبدالله بن مالك الأندلسى، الإمام العلامة الأوحد الطائى الجيانى الأندلسى المولود عام 600هـ فى جيان الأندلس. وأخذ العربية عن عديدين فى مدينته جيان.. وصرف همته إلى إتقان لسان العرب حتى فاق أساتذته.
ولكننا لا ننكر جهوداً عظيمة لعلماء عرب كان لهم دورهم الرائد أيضاً فى التأليف والشرح حماية للغة العربية.. منهم قديماً الخليل بن أحمد المولود عام 718م والمتوفى عام 786م.. وهو أبوعبدالرحمن الخليل بن أحمد بن عمر بن تميم الفراهيدى البصرى، وهو عربى الأصل من أزد عمان.. وهو لغوى ومعجمى ومنشئ علم العروض، ونشأ فى البصرة وتربى فيها، وتعلم عن الليث، بل هو أستاذ سيبويه، وهو من اهتدى إلى أوزان الشعر وبحوره وقوافيه، وللخليل من التصانيف: كتاب العين، وهو أول معجم فى العربية، وكتاب «العروض» وكتاب «الشواهد.. النقط والشكل والإيقاع».. ولا ننسى أيضاً الشيخ الإمام محمد بن أبى بكر بن عبدالقادر الرازى، صاحب واحد من أهم كتب اللغة.. هو مختار الصحاح وهو مختصر فى علم اللغة جمعه من كتاب الصحاح، للعلامة أبى نصر إسماعيل بن حماد الجوهرى.
** ولكن ماذا عن ألفية ابن مالك فى النحو والصرف التى كانت من أشهر كتب النحو والصرف.. لتعليم قواعد اللغة العربية بأسلوب شيق أساسه الشعر والقوافى ليسهل حفظها.. غداً موعدنا مع الألفية الشهيرة!!