هل أصبح واضحاً أننا نعشق استمرار الخطأ.. أم نتمسك بأن كل قديم موروث.. هو أفضل من أى تجديد، وأنه ليس فى الإمكان أحسن مما كان.. والكلام هنا ــ اليوم بالذات ــ عن الجامعة العربية، والمناسبة اعتزال الأمين العام الحالى ــ وهو السابع فى تاريخها ــ الدكتور نبيل العربى، وترشيح مصر للسيد أحمد أبوالغيط أميناً عاماً، وهو الاجتماع القادم يوم ١٠ مارس الحالى، وأننا نسلك نفس الطريق الذى اتبعه العرب منذ ٧١ عاماً، ولكننا نراعى «التجديد» شكلاً، ولا نسير طلبا «للتجديد» مضموناً؟! والكلام هنا ــ مرة أخرى ــ ما أكده الدكتور العربى ــ فى ختام أيام خدمته ــ من ضرورة تطوير وتحديث ميثاق الجامعة العربية لتصبح منظمة معاصرة وتستطيع مواجهة التحديات الجسام حولنا.
وإذا كانت الظروف لم تخدم الدكتور العربى لتحقيق ما أكد عليه، بسبب «بلاوى» الربيع العربى.. وانظروا ما يحدث فى المنطقة فى سوريا وليبيا واليمن، وما حدث فى تونس ومصر، ولا نقول: وأيضا ما حدث فى الصومال والسودان قبل ذلك.. وهى كلها ظروف لم تسمح بتحديث هذا الميثاق الذى يطالب بالفكر السليم، ومنذ عقود.. أقول إذا كانت هذه الظروف لم تسمح بتحقيق هذا التحديث، كما تمنى الدكتور العربى، ومن سبقوه.. فهل «نحلم» بأن يتمكن أحمد أبوالغيط، الأمين العام القادم، والذى نتوقع قيامه بمهامه ابتداء من يوم أول يوليو القادم، من القيام بهذه المهمة، خصوصاً أن ما جرى وما يجرى فى المنطقة يساعده ــ وبناء على رغبات شعوبها ــ على تحقيق حلم كل العرب.. وأن يأتى هذا التحديث متأخراً ولو ٧٠ عاماً خير من ألا يأتى أبداً.
ولكن، هل ظروف الأمة العربية تسمح بتحقيق ذلك، أم نستمر مثل قطع الشطرنج يحركها «الآخرون» وننفذ نحن رغباتهم، دون تفكير.. ونعترف بأن ميثاق الجامعة الموقع بالقاهرة يوم ٢٢ مارس ١٩٤٥ كان هو الأفضل ــ وقتها ــ ولكن من الظلم لكل العرب أن يستمر هذا كما هو، منذ أكثر من ٧١ عاماً.
ونعترف بأن ظروف العرب ــ وقتها ــ لم تسمح بأكثر من ذلك، رغم تحفظات «حضرة صاحب الجلالة الإمام أحمد الناصر لدين الله، ملك المملكة المتوكلية اليمنية المعظم»، على بعض اتجاهات الجامعة ومن البدايات، وكذلك إرجاء ممثل المملكة العراقية التوقيع بالذات على معاهدة الدفاع المشترك عام ١٩٥٠ بقصر أنطونيادس بالإسكندرية.. إلا أن الظروف الآن تغيرت، ويكفى ما يحدث الآن فى اليمن «التى تحفظت» والعراق التى أرجأت التوقيع، لكى نغير من هذا الميثاق!! وإذا كان هذا قد حدث وعدد أعضاء الدول بالجامعة هو ٧ دول.. فهل يمكن أن ننجح وعددها الآن تجاوز ٢٢ دولة؟!
والجامعة التى بدأت بعدد سبع دول عام ١٩٤٥، انضمت إليها كل دولة عربية تنال استقلالها، إذ انضمت ليبيا يوم ٢٨ مارس ١٩٥٣، ثم السودان ١٩ يناير ١٩٥٦، ثم تونس أول أكتوبر ١٩٥٨، ومعها المغرب فى نفس اليوم.. ثم الكويت يوم ٢٠ يوليو ١٩٦١، والجزائر ١٦ أغسطس ١٩٦٢.. وتوالت الانضمامات: دولة الإمارات.. قطر.. البحرين.. سلطنة عمان.. الصومال وجيبوتى إلى آخر المستقلين، ولم تدخلها إريتريا ولا جنوب السودان.
أقول: هل ينجح العرب فى تعديل الميثاق ومعه بالضرورة معاهدة الدفاع المشترك.. أم أن ما حدث من انتكاسات فى كل الوطن العربى بلا استثناء ــ وهو مخيب لكل الآمال ــ لن يحرك الغافلين من العرب حكاماً قبل الشعوب.. وهل يكفى أن نتذكر هنا هزائم الجامعة العربية منذ حرب فلسطين عام ١٩٤٨، ومحاولات العراق غزو الكويت «أكثر من مرة أولاها أيام عبدالكريم قاسم وأسوأها أيام صدام حسين»، وما جرى من تدمير دولة الصومال وصولاً إلى انفصال جنوب السودان ودارفور فى الطريق.
ثم الكوارث الأبشع: فى العراق ثم سوريا وليبيا واليمن، رغم نجاح تونس ومصر فى القفز فوق هذه الكوارث بعد أن دفعتا ثمناً غالياً.. وهل تستطيع «الجامعة» ــ حتى إن نجحنا فى تعديل ميثاقها ــ فى تقليل مخاطر ما يجرى فى سوريا، واحتمالات تقسيمها أو حتى تحويلها إلى دولة اتحادية، تضم ولايات عشائرية.. وما يجرى فى ليبيا وغياب الدولة الواحدة، وأيضا احتمالات عودتها إلى ما قبل الاستقلال عام ١٩٥٣ من ولايات: برقة وطرابلس وفزان، وأن يعود اليمن إلى الانقسام إلى دولتين شمالية عاصمتها صنعاء وجنوبية عاصمتها عدن، وما بينهما يظل فى قبضة الغيب.
** لماذا لا نتعلم من كل هذه الدروس.. وأن نطرح على مجلس الجامعة القادم يوم ١٠ مارس، ليس فقط تعيين الأمين العام الثامن، ولكن أيضا الاتفاق على إعادة النظر فى هذا الميثاق، وبالذات قضية الأكثرية والإجماع، لأن المادة السابقة أن ما يقرره المجلس بالإجماع يكون ملزماً لجميع الدول المشتركة بالجامعة، وما يقرره المجلس بالأكثرية يكون ملزما لمن يقبله.. وهذا النص يمثل العقبة الأولى.. أمام العرب الآن.